الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> غادة السمان >> أشهد أن زمنك سيأتي ... >>
قصائدغادة السمان
أشهد أن زمنك سيأتي ...
غادة السمان
- أسبح عكس التيار
- خارج قطيع الأسماك المذعورة لأعود اليك ..
- و ها أنا من جديد هناك
- في بيروت المكنفة بفلاشات عدسات التصوير
- و روائح احراق النفايات و الجثث
- و ظلال الحرائق على أعمدة البكاء
- كمدينة ضربها الطاعون
- طالعة من أساطير اللعنة
- و أكمام العصور المنقرضة ...
- ***
- حتى النوافذ تنكرت لنا
- و لم نعد نرى عبرها
- و لكن يرانا المسلحون من الخارج بوضوح
- و نحن نلملم أطراف الحذر
- و نأوي كالجراذين الى أوكارنا في الدهاليز
- حين يرفع القصف عقيرته بالنباح الأسود...
- ***
- اقترفت خطيئة فتح نافذة للتجسس على الشمس
- شاهدت الرجل المسلح يختال في الأرض مرحا
- على جثث الشوارع الخاوية ...
- ذراعه بندقية
- لم تعرف طلقاتها غير قلوب الأبرياء و الأطفال ...
- شاهدت أوراق الأشجار تموت و تتساقط حين مر
- و الأزهار تذبل فجأة
- و الألوان تهرب من المرئيات
- مثل صورة تلفزيونية ملونة
- تستحيل بيضاء و سوداء ..
- و العصافير تطلق صيحات الذعر
- و هي تفر من دربه ...
- و السيارات تنقلب على ظهرها
- كالصراصير المعدنية الميتة ...
- و المسلح يمشي
- تتصاعد أبخرة الكبريت الخانقة من أنفاسه
- الحوامض الكاوية تتفجر من موضع قدميه...
- عند المنعطف التقى بالمسلح ضبع مخيف...
- فانضم اليه بعدما تعانقا بحرارة...
- أغلقت النافذة
- أحصيت أعضائي..
- تلمست بطاقة سفري...
- ***
- ولم تعد الغابات ملعبنا و الشطآن الليلية
- ها نحن محشوران داخل بكاء الأطفال في الملجأ
- و الفئران تقرض أطرافنا و بطاقات هويتنا و أحلامنا...
- و نحيب خافت لمشلولة يصم اذاننا كالقصف..
- ولد صغير يسأل بالحاح مخبول كلما سقطت قذيفة
- " ماذا يحدث " ؟
- من يجرؤ على أن يقول له
- أنهم يحاولون اقتسام الجوهرة المسروقة النادرة
- منذ ثلاثة عشر عاما و يفشلون ؟...
- من يجرؤ على أن يشهد عكس الريح ؟
- ***
- عبثا يسطون على دفء القلب
- اني أتذكر ...
- أحارب الجدران بنوافذ الحلم ..
- ذلك الصباح منذ ألف عام
- وجدتك مرميا على الشاطىء أمامي
- شهيا و دافئا كعشبة بحر استوائية
- لكنني أعدتك الى الموج..
- شكوت لي الملمس البارد لعرائس المحيطات
- و أهديني مركبك
- فصنعت من سرير عرس
- عبثا يحوله ضباع الليل و دبابيره
- الى تابوت ..
- ***
- هذا ليس زمنك
- أيها المرهف شفافية و عذوبة
- هذا زمن اعدام العصافير
- و الأطفال و الفراشات و النجوم ...
- و أنت تدفق الحنان صوب كائنات الله كلها ...
- هذا ليس زمنك
- لكنني أشهد عكس الريح
- على أن حبك وحده سيبقى
- و أزهارك الربيعية اتية من ميتاتنا العديدة...
- لتنمو كنباتات الأساطير
- فوق القبور المنبوشة
- و أشلاء المخطوفين..
- و شفاه شققها الأنين...
- و سأظل أحبك عكس الريح
- ريثما يطلق الموت سراحي
- ......
- 26/10/1986
المزيد...
العصور الأدبيه