الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> علي محمود طه >> مأساة رجل >>
قصائدعلي محمود طه
- ماذا تركت بعالم الأحياء
- و أخذت من حبذ و من بغضاء
- لك بعد موتك ذكريات حيّة
- جوّابة الأشباح و الأصداء
- هتكت حجاب الصذمت عنك و ربما
- هتكت غشاء المقلة العمياء
- فرأت مخايل وادع متواضع
- في صورة من رقذة و حياء
- متطامن النّظرات إلا أنّها
- نفّاذة لمكامن الأهواء
- متفرّسات في سكينة قانص
- لم يخل من حذر و فرط دهاء
- شيخ أطلّ على الشّتاء ة قلبه
- متوقّد كالجمرة الحمراء
- مرّ الرّفاق به ، فشيّع ركبهم
- و أقام فردا في المكان النّائي
- و طوى الحياة كدوحة شرقية
- أمست غريبة تربة و سماء
- لبست جلال و حادها و ترفّعت
- بالصّمت عن لغو و عن ضوضاء
- لم تنزل الأطيار فئ ظلالها،
- أو تبن عشّا، أو تحم بالغناء
- حتّى إذا عرّى الخريف غصونها
- من وشي تلك الحلّة الخضراء
- عبرت بها صدّاحة في سجعها
- لغة الهوى و رطانة الغرباء
- وا رحمتاه للنسر يخفق قلبه
- بصبابة القمريّة البيضاء
- هي لمعة القبس الأخير و قد خبا
- نجم المساء و رعشة الأضواء
- و توثّب الرّوح الحبيس و قد شدا
- ثملا بسحر اللّيلة القمراء
- و حناية الحسن الغرير إذا رمى
- فشريق دمع ، أو غريق دماء
- ***
- و مهاجر ضاقت أوطانه
- و تأثّرته مخاوف الطّرداء
- لم تثنه شيخوخة مكدودة
- دون السذفار و لا صقيع شتاء
- متطلّب حقّ الحياة لخافق
- أمسى مهيض كرامة و إباء
- من كان في أمس يسوس أمورهم
- ضنّوا عليه بفرحة الطّلقاء
- يقضون باسم المال فيه كأنّما
- ضمنوا لمصر مصادر الإثراء
- هلاّ قضوا لمقاصف و مصارف
- مغفورة ، منهومة الأحشاء
- أكلت دم الفلاح ثم تكفّلت
- بحصاد حنطته و جلد الشّاء
- حبّ بلوت به العذاب و مثله
- مقة السياسة و هي شرّ بلاء
- عصفت بأحلام الرّجال و سفّهت
- رأي اللّبيب ، و منطق الحكماء
- كم فوق ساحلها خطى مطموسة
- كانت سبيل هداية و رجاء
- و سفينة مهجورة ، محطومة
- حملت لها البشرى طيور الماء
- أين اللّواء ؟ و ربّه ؟ و جماعة
- كانوا طليعة موكب الشّهداء
- و أخو يراع في الصّفوف مدافع
- بيدي حواريّ و صدر فدائي ؟
- لم ينصفوا حتّى ببعض حجارة
- خرساء ماثلة لعين الرائي !
- و مضوا فما وجدوا كفاء صنيعهم
- تمثال حبّ ، أو مثال وفاء
- تأبى السّياسة غير لون طباعها
- و تريد غير طبائع الأ شياء !!
- قالوا : أحبّ الإنجليز و زادهم
- ود الحميم و موثق القرناء
- ها قد أتى اليوم الذي صاروا به
- أوفى الدّعاة و أكرم الحلفاء
- بتنا نغاضب من يغاضبهم و لا
- نأبى رعايتهم على الضّراء
- رأي أخذت به و ليس بعائب
- ذمم الرّجال مآخذ الآراء
- لكن سكتّ ، فقيل إنّك عاجز
- عن ردّ عادية و دفع بلاء
- صمت تحيّر فيه كلّ محدّث
- ة الصّمت بعض خلائق الكرماء
- في عالم ينسي الحليم وقاره
- و يرى البنين عداوة الآباء
- و ترى التّوائم فيه بين عشّية
- متنافرات طبيعة ورواء
- جهد الكرام به افترار مباسم
- و تكلّف في القول و الإصغاء
- صور عرفت لبابها و لحاءها
- فكأنّما خلقت بغير لحاء
- قد كنت تخلص لي الوداد فهاكه
- شعرا يصون مودّة الخلصاء
- يجد الرّجال به على حسناتهم
- مدحي ، و عن هنواتهم إغضائي
- فاصعد لربّك فهو أعدل حاكم
- و هو الكفيل برحمة و جزاء
- و تلقّ من حكم الزّمان و عدله
- ما شاء من نقد و من إطراء
المزيد...
العصور الأدبيه