الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> سامي مهدي >> رحلة الطير >>
قصائدسامي مهدي
- وأنا عجلانُ في سربٍ من الطيرِ أَطيرْ،
- دونما قلبٍ يغنِّي
- أو جناحٍ قادرٍ أن يستديرْ،
- أَخَذَتْنا الريحُ نحو الغربِ
- حتى لم نعد ندري:
- أهذا شوطُنا الأوّلُ في السبقِ
- أَمِ الشوطُ الأخيرْ؟
- لم أكنْ أَعْرف أنّا فُرَقاءْ
- ولنا آلهةٌ شتّى، وأنّا سُفَهاءْ
- لم نُصِبْ من منطقِ الطيرِ
- وَمِنْ سرّ "فريدِ الدينِ" إلاّ الغُلَواءْ.
- لم نكنْ نبحثُ عن مسرًى
- إلى بابِ السماءْ
- بل بَحَثْنا عن فراديسَ على الأرضِ،
- سَمِعْنا قصصًا عنها،
- رأينا صورًا منها،
- فقلنا: هي ذي مملكةُ العقلِ،
- وأُولاءِ ذَوُوها العُقلاءْ،
- وهي أرضُ اللّه،
- لا شرقٌ، ولا غربٌ،
- وكلُّ الناسِ أَهْلوها، سواءٌ بسواءْ،
- ثم طِرْنا نحوها بحثًا عن السرّ،
- فلم نعثرْ على شيءٍ سوى هذا البلاءْ:
- مدنٌ مرهقةٌ،
- أفئدةٌ فارغةٌ،
- والغُرماءْ
- يسألونَ اللّهَ عن قصةِ قابيلَ وهابيلَ؛
- ومالُ الفقراء
- دُولَةٌ بين حليفينِ: غنيٍّ وقويٍّ؛
- والبغاءْ
- حِرْفةُ الساسةِ؛
- أما الحكماءْ
- فهم العقلُ الذي يوحي إلى القيصرِ
- قَبْلَ الأصفياء:
- أنّ خَلْقَ اللّهِ أجناسٌ،
- وهُمْ من رُتَبٍ شتّى،
- وكلَّ الضعفاءْ
- غَنَمٌ في غابةِ القيصرِ،
- والقيصرَ ربُّ الأقوياءْ.
- ونَظَرْنا:
- فإذا نحن، كما كنّا بدأنا، فُرَقاءْ،
- وإذا الغابةُ لا مَنٌّ ولا سَلْوى،
- ولا أيُّ عزاءْ؛
- وأرسطو يُلْهم الإسكندرَ الغزوَ
- وقهرَ المدنِ التعبى
- ويغريه بقتلِ الأمراءْ.
- وأنا أنظر في هذا المصيرْ
- وأرى الإنسانَ في الجبِّ صريعًا يستجيرْ
- وأرى القيصرَ ما زالَ، كما كان،
- إلهًا يَمْلكُ الإبرامَ والنَّقْضَ وتصريفَ الأمورْ
- قلتُ: لا بدّ إذنْ من رحلةٍ أخرى،
- ومن شوطٍ أخيرْ.
- رحلةٌ أخرى؟
- إلى أين؟
- وكلُّ الأرضِ بستانٌ لقيصرْ
- وعلى أطرافِهِ الجندُ يقيمونَ له ألفَ معسكرْ
- ويغنُّون سكارى شِعرَ فرجيلَ
- وروما تتبخترْ؟
- رحلةٌ أخرى ولا شيءَ تغيّرْ
- منذ أن دارت بنا الأرضُ،
- وصار القردُ إنسانًا يفكّرْ؟
- رحلةٌ أخرى وفي ظهرِكَ خنجرْ
- وعلى صدرك رمحٌ،
- وإلى جنبكَ لغمٌ يتفجّر؟
- رحلةٌ أخرى ولم يبقَ من السربِ
- سوى بعضِ بغاثٍ يتطيّر؟
- ليكنْ (قلتُ) فإنّ الصمتَ أخطرْ
- ليكنْ (قلتُ) فهذا اليومُ أغبرْ
- وغدًا قد ينجلي الأفقُ وتصفو الروحُ أكثرْ
- ونرى دربًا إلى الحكمةِ لم يعرفْهُ طاغوتٌ
- ولم يَسْلكْه قيصرْ.
- قلت: لا بدّ إذنْ من رحلةٍ أخرى
- ومن شوطٍ أخيرْ
- ولتكنْ رحلتُنا في نَفَقِ الإنسانِ،
- بين الخيرِ والشرِ،
- وفي كهفِ ظلامِ النفسِ،
- في بئرِ الضميرْ،
- قلتُ: لا بدّ لنا من أملٍ آخرَ
- غيرِ العيشِ في هذا السعير.
- ثم أَطْلقتُ جناحيَّ وحلّقتُ بعيدًا، وعميقًا،*
- غير أنِّي لم أزلْ وحدي أطير.
المزيد...
العصور الأدبيه