الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أدونيس >> مقدمة لتارخ ملوك الطوائف >>
قصائدأدونيس
مقدمة لتارخ ملوك الطوائف
أدونيس
- وجه يافا طفلٌ هل الشجَرُ الذابل يزهو? هل
- تَدخل الأرض في صورة عذراء? من هناك يرجّ
- الشرق? جاء العصف الجميلُ ولم يأتِ الخرابُ
- الجميلُ صوتٌ شريدٌ...
- (كان رأسٌ يهذي يهرّجُ محمولاً ينادي أنا الخليفةُ),
- هاموا حفروا حفرةً لوجهِ عليٍّ
- كان طفلاً وكان أبيضَ
- أو أسودَ, يافا أشجارُه وأغانيه ويافا.
- تكدّسوا, مزّقوا وجهَ عليٍّ
- دمُ الذبيحة في الأقداحِ, قولوا: جبّانةٌ,
- لا تقولوا: كان شعريَ وردًا وصار دماءً,
- ليس بين الدماءِ
- والورد إلا خيط شمسٍ, قولوا: رماديَ بيتُ
- وابنُ عبّادَ يشحذ السّيفَ بين الرأس والرأسِ
- وابنُ جَهْورَ ميْتُ.
- لم يكن في البدايهْ
- غير جذْرٍ من الدمع أعني بلادي
- والمدى خيطيَ - انقطعتُ وفي الخُضْرَةِ العربيّهْ
- غرِقتْ شمسيَ
- الحَضارة نَقّالةٌ, والمدينهْ
- وردةٌ وثنيّهْ -
- خيمةٌ:
- هكذا تبدأ الحكايةُ أو تنتهي الحكايَهْ.
- والمدى خيطيَ - اتَّصلْتُ أنا الفوهةَ الكوكبيهْ
- وكتبتُ المدينهْ
- (حينما كانت المدينة مقطورةً والنواحْ
- سورُها البابليُّ), كتبتُ المدينهْ
- مثلما تنضحُ الأبجديّهْ
- لا لِكَيْ ألأمَ الجراحْ
- لا لِكَيْ أبعثَ المومياءْ
- بل لكي أبعْثَ الفروقَ...الدِّماءْ
- تجمعُ الوَرْدَ والغرابَ لكي أقطَعَ الجسورْ
- ولكي أغسل الوجوه الحزينه
- بنزيف العصورْ.
- وكتبتُ المدينه
- مثلما يذهب النبيُّ إلى الموت أعْني بلادي
- وبلادي الصَّدى
- والصّدى والصدّى...
- كشفَتْ رأسها البَاءُ, والجيمُ خصلةُ شَعْرٍ,
- انْقرضْ انْقرضْ
- ألِفٌ أولُ الحروف انقرضْ انْقرضْ
- أسمعُ الهاءَ تنشجُ, والراءُ مثلُ الهلالْ
- غارقًا ذائبًا في الرمالْ
- انقرضْ انقرضْ
- يا دمًا يتخثّر يجري صحارَى كلامْ
- يا دمًا ينسج الفجيعة أو ينسج الظلامْ
- إنْقرض إنْقرض
- سحرُ تاريخكَ انتهى,
- واعْذري واغْفري
- يا قرونَ الغزالاتِ, يا أعينَ المها...
- أحارُ, كلَّ لحظةٍ أراكِ يا بلادي
- في صورةٍ,
- أحملكِ الآنَ على جبيني, بين دمي وموتي:
- أأنتِ مقبرهْ أم وردةٌ?
- أراكِ أطفالاً يُجرْجِرونْ
- أحشاءهم, يُصغونَ يسجدونْ
- للقيد, يلبسونْ
- لكلِّ سَوْطٍ جلدهُ... أمقبرهْ
- أم وردةٌ?
- قتلتِني قتلتِ أغنياتي
- أأنتِ مجزرَهْ
- أم ثورةٌ?
- أحارُ, كلّ لحظةٍ أراكِ يا بلادي في صورةٍ...
- وعليٌّ يسأل الضوءَ, ويمضي
- حاملاً تاريخَهُ المقتولَ من كوخٍ لكوخٍ:
- (علَّموني أنّ لي بيتًا كَبَيْتي في أريحا
- أنَّ لي في القاهره
- إخوةً,
- أنّ حدودَ الناصره
- مكةٌ.
- كيف اسْتَحَالَ العلمُ قيدًا
- والمدى نارَ حصار, أو ضَحيّهْ?
- ألهذا يَرْفضُ التاريخ وجهي?
- ألهذا لا أرى في الأفْقِ شمسًا عربيّه?)
- آهِ لو تعرف المهزلَهْ
- (سمِّها خطبةَ الخليفةِ أو سمِّها المهرجانْ)
- ولها قائدانْ
- واحدٌ يَشْحذُ المقصلَهْ
- واحدٌ يتمرّغُ... لو تعرف المهزلَهْ
- كيف, أينَ انْسلْلتْ
- بين عُنْقِ الذّبيح ومِقْصلة الذّابحينْ?
- كيف ماذا, قُتِلتْ?
- كُنتَ كالآخرينَ, انتهيتَ
- ولم تَنْتَهِ المَهزلهْ
- كنتَ كالآخرينَ - ارْفضِ الآخرينْ
- بدأوا من هناكَ ابتدىءْ من هُنا
- حول طفلٍ يموتْ
- حولَ بيتٍ تهدَّم فاسْتعمَرتْه البيوتْ
- وابتدىءْ من هنا
- من أنين الشوارع من ريحها الخانقهْ
- من بلادٍ يصير اسمها مقبره
- وابتدىءْ من هنا
- مثلما تبدأ الفجيعةُ أو تُولَدُ الصّاعقهْ
- مُتَّ? ها صرْتَ كالرعد في رَحِم الصّاعقه
- بارئًا مثلما تَبْرأُ الصاعقه
- أُنظرِ الآن كيف انْصهرتَ وكيف انبعثتَ,
- انتهيتَ ولم تَنْتَهِ الصّاعِقَهْ.
- أعرفُ, كان ملكُكَ الوحيدُ ظِلَّ خيمةٍ, وكان فيها خِرَقٌ,
- ومرّةً يكونُ ماءٌ, مرَّةً رغيفٌ,
- وكان أطفالك يكبرونْ
- في بُرْكةٍ,
- لم تَيْأسِ انْتفضْتَ صرتَ الحلمَ والعيونْ
- تظهرُ في كوخٍ على الأرْدنِّ أو في غَزَّةٍ والقدْسْ
- تقتحمُ الشارعَ وهو مَأتَمٌ تتركه كالعرْسْ
- وصوتُك الغامرُ مثلُ بحَرٍ
- ودمُكَ النافرُ مثلُ جبلٍ
- وحينما تحملك الأرضُ إلى سريرها
- تترك للعاشقِ للاَّحقِ جدولينْ
- من دمكَ المسْفوحِ مرَّتينْ.
- وجه يافا طفلٌ هل الشجرُ الذابلُ يزهو? هل تدخل
- الأرضُ في صورةِ عذراءَ
- مَنْ هناكَ يرجُّ الشرق
- جاء العَصْفُ الجميلُ ولم يأتِ الخرابُ الجميلُ صوتٌ شريدٌ...
- سقطَ الماضي ولم يسقطْ (لماذا يسقط الماضي ولا يسقطُ?)
- دالٌ قامةٌ يكسرها الحزنُ (لماذا يسقط الماضي ولا يسقطُ?)
- قافٌ قابُ قوسين وأدْنى
- أطلبُ الماءَ ويعطينيَ رملاً
- أطلب الشمسَ ويعطينيَ كهفًا
- سيّدٌ أنتَ? ستبقى
- سيّدًا. عبدٌ? ستبقى
- هكذا يؤثَرُ, يعطينيَ كهفًا وأنا أطلبُ شمسًا, فلماذا سقط الماضي ولم يسقط?
- لماذا هذه الأرضُ التي تَنْسلُ أيامًا كئيبَهْ
- هذه الأرضُ الرّتيبهْ.
- سيّدٌ أنتَ? ستبقى
- سيّدًا. عبدٌ? ستبقى
- غيّرِ الصورةَ لكن سوف تبقى
- غيّرِ الرايةَ لكن سوف تبقى
- ... في خريطةٍ تمتدّ... إلخ, حيث يدخلُ السيّد المقيمُ في الصفحة 1 راكبًا
- حيوانًا بحجم المشنقة, يتحوّل إلى تمثالٍ ملء الساحات العامة. و(كانت)
- الحاكمة ( ... ) وحولها نساءٌ يدخلن في الرّمح ويمضغن بخورَ القصر والرجال
- يسجِّلون دقات قلوبهنّ على زمنٍ يتكوّم كالخرقة بين الأصابع حيث
- ك ترتجف تحت نواةٍ رفضيّةٍ بعمق الضوء
- شجرٌ يثمرُ التحوّلَ والهجرةَ في الضوءِ جالسٌ في فلسطينَ وأغصانُهُ نوافذُ
- أصغينا لأبعادِه قرأنا معه نجمةَ الأساطير جندٌ وقضاةٌ يدحرجون عظامًا
- ورؤوسًا, وآمِنونَ كما يرقد حلمٌ يُهَجَّرون, يُجَرّونَ إلى التِّيه...
- كيف نبدأُ?
- (- يكفيني رغيفٌ, كوخٌ وفي الشَّمس ما يمنح فَيْئًا, لا لستُ خوذةَ سيّافٍ ولا
- ترسَ سيّدٍ, أنا نَهَرُ الأردنّ أسْتَفْردُ الزهورَ وأغويها دمٌ نازفٌ
- تبطّنتُ أرضي ودمي ماؤها دمي وسيبقى ذلك السّاهِرُ النحيلُ: غبارٌ يمزجُ
- العاشقَ المشرَّدَ بالريح, ويبقي نسْغٌ).
- يتمتم طفلٌ, وجهُ يافا
- طفلٌ :هنا سقط الثائرُ
- حيفا تئنُّ في حجَرٍ أسوَدَ
- والنَّخْلةُ التي فيّأت مريمَ تبكي
- همسْتُ في قدمي جوعٌ
- وفي راحتيَّ تضطرب الأرضُ
- كشفنا أسرارَنا (بُقع الدمع طريقٌ) أجسُّ خاصرة الضوء يجثّ
- الصحراءَ والكونَ مربوطًا بحبل من الملائكِ هل تشهدُ آثار كوكبٍ, يسمع
- الكوكبُ صوتي رويتُ عنه سأروي...
- في زَمن الرّماد, شَخْصٌ رَمَى تاريخه لجمْرِ أيّامِنا, وماتَ
- (لن تعرفَ حرّيةً ما دامت الدولةُ موجودةً).
- تذكرُ? (والقاعدهْ
- وسلطةُ العمال...) ما الفائده
- تنحدرُ الثورة بعد اسْمهِ
- في لفظةٍ, تمتدّ في مائدهْ
- هل تقرأ المائده?
- كان فدائيٌّ يخطّ اسمه نارًا وفي الحناجر البارده
- يموتُ
- والقدسُ تخطّ اسمها:
- لم تزل الدولةُ موجودةً
- لم تزل الدولةُ موجودةً.
- غيرَ أنَّ النّهَرَ المذبوحَ يجري:
- كلّ ماءٍ وجه يافا
- كل جرحٍ وجه يافا
- والملايين التي تصرخُ: كلاّ, وجه يافا
- والأحبّاء على الشُّرفة, أو في القيد, أو في القَبْر يافا
- والدَّمُ النّازِفُ من خاصرةِ العالم يافا
- سمِّني قيسًا وسَمِّ الأرض ليلى
- باسْم يافا
- باسم شعبٍ يرفع الشمس تَحيّهْ
- سمِّني قنبلةً أو بندقيّهْ...
- هذا أنا: لا, لستُ من عصر الأفولْ
- أنا ساعةُ الهتْك العظيم أتت وخلخلةُ العقولْ
- هذا أنا - عبرَتْ سحابه
- حبلى بزوبعة الجنونْ
- والتّيهُ يمرق تحت نافذتي, يقول الآخرونْ:
- ماذا يقول الآخرون?
- (- يرعى قطيع جفونهِ
- يصل الغرابةَ بالغرابهْ).
- هذا أنا أصلُ الغرابةَ بالغرابهْ
- أرّخْتُ: فوق المئذنهْ
- قمرٌ يسوس الأحصنَهْ
- وينام بين يدَيْ تميمه
- وذكرتُ: بقّعتِ الهزيمه
- جَسدَ العصورْ
- وَهْرانُ مثل الكاظميَهْ
- ودمشق بيروت العجوز
- صحراءُ تزدردُ الفصولَ, دمٌ تعفّنَ - لم تعد نارُ الرموزْ
- تلِد المدائنَ والفضاء, ذكرتُ لم تكن البقيّهْ
- إلاّ دمًا هَرمًا يموتُ يموتُ بقّعتِ الهزيمَهْ
- جسدَ العصورْ.
- ... في خريطةٍ تمتدّ إلخ, حيث تتحول الكلمة إلى نسيجٍ تعبرُ في مسامّه رؤوسٌ
- كالقطن المنفوش, أيامٌ تحمل أفخاذًا مثقوبةً تدخل في تاريخٍ فارغ إلاّ من
- الأظافر, مثلَّثاتٌ بأشكال النساء تضطجع بين الورقة والورقة; كلّ شيء يدخل
- إلى الأرض من سُمّ الكلمة, الحشرةُ ( ... ) الشاعر.
- بالوَخْز والأرق وحرارةِ الصّوت, بالرّصاص والضوء, بالقمر ونملة سليمان,
- بحقولٍ تثمر لافتاتٍ كتب عليها (البحث عن رغيف) أو (البحث عن عجيزة لكن
- استتروا) أو (هل الحركة في الخطوة أم في الطريق?).
- والطريقُ رملٌ يتقوّس فوقه الهواء والخطوة زمنٌ أملس كالحصاة...
- وكان الوقت يشرف أن يصبح خارج الوقت وما يسمّونه الوطن يجلس على حافّة
- الزمن يكاد أن يسقط, (كيف يمكن إمساكه?) سأل رجل مقيّد وشبه ملجوم.
- لم يجئه الجواب لكن جاءه قيدٌ آخر وأخذ حشدٌ كمسحوق الرمل يفرز مسافةً
- بحجم لام ميم ألف أو بحجم ص ع ي هـ ك ويسير فيها ينسج راياتٍ وبُسُطًا
- وقِبابًا ويبني جسرًا يعبر عليه من الآخرة إلى الأولى...
- حيث عبرت ذبابةٌ وجلست على الكلمة, لم يتَحرَّك حرف, طارت وقد استطال
- جناحاها عبرَ طفلٌ وسأل عن الكلمة طلع في حنجرته شوكٌ وأخذ الخرَس يدبّ إلى لسانه...
- في خريطةٍ تمتد... إلخ, حيث
- (العدوُّ يطغى وهم يخسرون, ويمدّ وهم يَجْزُرون, ويطول وهم يَقْصرُون, إلى أن
- عادوا إلى علمٍ ناكسٍ وصوتٍ خافت, ( ... )
- ... وعندما يجدّ الجِدُّ ويطلب الأندلس عَوْنَ الملك الصالح لاستخلاص إقليم
- الجزيرة, وقد سقط في أيدي الأسبان, يكتفي بالأسَف والتّعزية ويقول بأنَّ
- الحرب سجالٌ وفي سلامتكم الكفاية, ... ولم يزل العدوّ يواثبهم ويكافحهم
- ويُغادِيهم القتالَ ويراوحهم حتَّى أجْهضَهم عن أماكنهم وجَفّلهم عن مساكنهم,
- وأركبهم طبقًا عن طبق واسْتأصلهم بالقتل والأسر كيفما اتفق...).
- في خريطةٍ تمتد... إلخ,
- رفضَ التاريخُ المعروفُ الذي يُطبخ فوق نار السلطان أن يذكر شاعرًا... والبقية
- آتيةٌ,
- في خريطةٍ تمتدّ... إلخ,
- يأتي وقتٌ بين الرّماد والورد
- ينطفىءُ فيه كلّ شيء
- يَبْدأ فيه كلّ شيء.
- ... وأغنِّي فجيعتي, لم أعد ألمح نفسي إلاَّ على طرَف التاريخ في شفْرةٍ
- سأبدأ, لكن أين? من أين? كيف أوضح نفسي وبأيّ اللّغات? هذي التي أرضع
- منها تخونُني سأزكّيها وأحيا على شفير زمانٍ ماتَ, أمشي على شفير زمانٍ
- لم يجىءْ.
المزيد...
العصور الأدبيه