الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أدونيس >> الوقت >>
قصائدأدونيس
- ( مقاطع )
- حاضِنًا سُنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
- ما الدّمُ الضّاربُ في الرّملِ, وما هذا الأفولُ?
- قُلْ لَنا, يا لَهَبَ الحاضِرِ, ماذا سنقولُ?
- مِزَقُ التّاريخِ في حُنجرتي
- وعلى وجهي أماراتُ الضّحيّهْ
- ما أَمَرَّ اللّغةَ الآنَ وما أضيقَ بابَ الأبجديّهْ.
- حاضنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
- جُثَثٌ يقرؤُها القاتِلُ كالطُّرْفَةِ / أَهْراءُ عِظامٍ,
- رأسُ طِفْلٍ هذه الكتله, أم قطعةُ فَحْمٍ?
- جسَدٌ هذا الذي أشهدُ أم هيكلُ طينٍ?
- أَنحني, أرتُقُ عينين, وأَرفو خاصِره
- ربّما يُسعفُني الظنُّ ويَهديني ضياءُ الذّاكره
- غيرَ أنّي عبثًا أَسْتقرىءُ الخيطَ النَّحيلْ
- عبثًا أجمعُ رأسًا وذراعينِ وساقين, لكيْ
- أكتشفَ الشّخصَ القتيلْ
- حاضِنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
- ... / كَشَفَ البهلولُ عن أسرارِهِ
- أَنّ هذا الزّمَنَ الثّائرَ دُكّانُ حِلّيٍ,
- أنّه مُسْتَنْقَعٌ ( ... )
- كشفَ البهلولُ عن أَسْرارِهِ
- سيكونُ الصِّدقُ موتًا
- ويكون الموتُ خُبْزَ الشّعراءْ
- والذي سُمّي أو صارَ الوطَنْ
- ليس إلاّ زمنًا يطفو على وجهِ الزَّمَنْ.
- حاضِنًا سنبلةَ الوقت ورأسي برجُ نارٍ:
- شَجرُ الحبّ بقصّابينَ آخى
- شَجَرَ الموتِ ببيروتٍ, وهذي
- غابَةُ الآسِ تُؤَاسي
- غابةَ النَّفْي, - كما تدخلُ قَصّابينُ في خارطةِ
- العشْبِ, وتَسْتَقْطِرُ أحشاءَ السّهولْ
- دخلَتْ بيروتُ في خارطةِ الموتِ / قبورٌ
- كالبساتينِ وأشلاءٌ - حقولْ
- ما الذي يسكبُ قصّابينَ في صيدا, وفي صورٍ,
- وبيروتُ التي تَنسكبُ?
- ما الذي, في بُعدِه, يقتربُ?
- ما الذي يمزجُ في خارطتي هذي الدِّماءْ?
- ... يبسَ الصّيفُ ولم يأتِ الخريفْ
- والرّبيعُ اسْوَدَّ في ذاكرةِ الأرضِ / الشّتاءْ
- مثلما يرسمُه الموتُ: احتضارٌ أو نزيفْ
- زمنٌ يخرجُ من قارورةِ الجَبْرِ ومِن كفِّ القضاءْ
- زمنُ التّيه الذي يَرْتَجلُ الوقتَ ويجترّ الهواءْ,
- كيفَ, من أينَ لكم أن تعرفوهْ?
- قاتِلٌ ليس له وجْهٌ / له كلُّ الوجوهْ...
- حاضِنًا سنبلةَ الوقْتِ, ورأسي برجُ نارٍ:
- مُنْهَكٌ أَلْتفِتُ الآنَ وأَسْتشرفُ - ما تِلك الخِرَقْ?
- أتواريخٌ? إبلدانٌ? أَراياتٌ على جُرْفِ الغسَقْ?
- هُوذا أقْرأُ في اللّحظةِ أجيالاً وفي الجُثّةِ آلاف الجُثَثْ
- هوذا يغمرُني لُجُّ العَبَثْ,
- جسدي يُفْلِتُ من سَيْطرتي
- لم يعدْ وجهيَ في مِرْآتِهِ
- ودمي يَنْفُرُ من شَرْيانِهِ..
- أَلأنّي لا أرى الضّوءَ الذي يَنقلُ أحلامي إليهْ?
- ألأنّي طَرَفٌ أقْصى من الكونِ الذي بارَكَهُ غيري وجَدّفْتُ
- عليهْ?
- ما الذي يَجْتَثُّ أعماقي ويمضي
- بين أدغالٍ من الرّغبة, بلدانٍ - محيطاتِ دموعٍ
- وسلالاتِ رموزٍ?
- بين أَعْراقٍ وأجناسٍ - عصورٍ وشعوبٍ?
- ما الذي يفصلُ عن نفسيَ نَفْسي?
- مَا الذي يَنقضُني?
- أَأَنا مُفْتَرقٌ
- وطريقي لم تعدْ, في لحظةِ الكشفِ, طريقي?
- أَأَنا أكثرُ من شخصٍ, وتاريخيَ مَهْوايَ, وميعادي
- حريقي?
- ما الذي يصعدُ في قَهْقَهَةٍ تصعدُ من أعضائيَ المختنقهْ?
- أَأَنا أكثرُ من شَخْصٍ وكلٌّ
- يسألُ الآخرَ: مَن أنتَ? ومِن أينَ?
- أأعضائيَ غاباتُ قتالٍ
- ... في دمٍ ريحٍ وجسمٍ وَرقَهْ?
- أجُنونٌ? مَنْ أنا في هذه الظُّلمة? علِّمْني وأَرْشِدْنيَ
- يا هذا الجنونْ
- مَنْ أنا يا أصدقائي? أيّها الرّاؤون والمُسْتَضْعَفونْ
- ليتَني أقدِرُ أن أخرُجَ من جلديَ لا أعرفُ مَنْ كنتُ,
- ولا مَن سأكونْ,
- إنّني أبحثُ عن إسْمٍ وعن شيءٍ أسمّيهِ,
- ولا شيءَ يُسمّى
- زمنٌ أعمى وتاريخٌ مُعَمَّى
- زَمَنٌ طَمْيٌ وتاريخٌ حُطامْ
- والذي يملكُ مملوكٌ, فسبحانَكَ يا هذا الظّلامْ.
- حاضِنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي بُرْجُ نارٍ:
- آخِرُ العَهْدِ الذي أمطَرَ سِجّيلاً يُلاقي
- أوّلَ العهدِ الذي يُمطِرُ نفْطًا
- وإلهُ النَّخْل, يجثو
- لإِلهٍ من حديدٍ,
- وأنا بين الإلهينِ الدّمُ المسفوحُ والقافلةُ المنكفِئَهْ
- أَتَقَرّى ناريَ المنطفئة
- وأرَى كيف أُداري
- موتيَ الجامحَ في صحرائِه,
- وأقولُ الكونُ ما ينسجُهُ حُلْميَ.. / تَنْحلُّ الخيوطْ
- وأرى نفسيَ في مَهْوى وأَسْترسل في ليلِ الهبوطْ
- طُرقٌ تكذِبُ, شُطآنٌ تَخونُ
- كيف لا يصعقُكَ الآنَ الجنونُ?
- هكذا أَنْتَبِذُ الآكِلَ والأكْلَ وأرتاحُ إلى كلِّ مَتَاهْ
- وعَزائي أنّني أُوغِلُ في حلميَ, - أَشْتَطُّ, أموجْ
- وأغنّي شهوةَ الرّفضِ, وأهْذي
- فَلَكُ الزُّهرةِ خلخالٌ لأِياميَ, والجَدْيُ سِوارٌ
- وأقولُ الزَّهرُ في تيجانِهِ
- شُرُفاتٌ...
- وعَزائي أنّني أخرجُ - أسْتَنْفِرُ أفْعال الخُروجْ.
- هكذا أَبْتدئُ
- حاضِنًا أرضي وأسرارَ هَواها, -
- جَسَدُ البحرِ لها حبٌّ له الشّمسُ يَدانْ
- جَسَدٌ مُستودَعُ الرَّعْدِ ومَرْساةُ الحنانْ
- جسدٌ وَعْدٌ أنا الغائبُ فيهِ
- وأنا الطّالِعُ مِن هذا الرّهانْ
- جَسَدٌ / غطّوا بضوءِ المطرِ العاشقِ وَجْهَ الأقحوانْ,
- وَلْيَكنْ...
- أحتضِنُ العصرَ الذي يأتي وأَمْشي
- جامِحًا, مِشْيةَ رُبّانٍ, وأختطُّ بِلادي, -
- إِصْعدوا فيها إلى أعلى ذُراها
- إهْبطوا فيها إلى أَغْوارِها
- لن ترَوْا خوفًا ولا قيدًا - كأنّ الطّيرَ غُصْنٌ
- وكأنَّ الأرضَ طِفْلٌ - والأساطيرَ نِساءْ
- حُلُمٌ?
- أُعطي لمن يأتون مِن بَعديَ أن يفتتحوا هذا الفضاءْ .
المزيد...
العصور الأدبيه