الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> وآلفة برد الحجال احتويتها >>
قصائدالفرزدق
وآلفة برد الحجال احتويتها
الفرزدق
- وَآلِفَةٍ بَرْدَ الحِجَالِ احْتَوَيْتُها،
- وَقد نامَ مَنْ يَخشَى عليها وَأسْحَرَا
- تَغَلْغَلَ وَقّاعٌ إلَيْهَا، وَأقْبَلَتْ
- تَجُوسُ خُدارِيّاً من الليلِ أخضَرَا
- لَطِيفٌ إذا ما انسلّ أدْرَكَ ما ابتغَى
- إذا هُوَ للطِّنْءِ المَخوفِ تَقَتّرَا
- يَزِيدُ عَلى مَا كُنْتُ أوْصَيْتُهُ بِهِ،
- وَإنْ ناكَرْتُهُ الآنَ ثُمّتَ أنْكَرَا
- وَلَوْ أنّهَا تَدْعُو صَدايَ أجابَهَا
- صَدايَ، لِعَهْدِ بَعْدَها ما تَغَيّرَا
- يَقُولُ: أما يَنْهاكَ عَنْ طَلَبِ الصِّبا
- لِداتُكَ قد شابُوا وَإنْ كنتَ أكْبَرَا
- مِنِ ابنِ الثّمانِينَ الذي لَيسَ وَارِداً
- وَلا جائِياً مِنْ غَيْبَةٍ مُتَنَظَّرَا
- أبَتْ مُقْلَتَا عَيْنيّ وَالصّاحِبُ الذي
- عَصَى الظنَّ مُذ كنتُ الغلامَ الحَزَوّرَا
- وَقَدْ كُنْتُ لا لَهْواً تُرِيدُ لِقَاءَهُ،
- فقد كنتُ إذ أمْشِي إليكَ كأوَجَرَا
- لِقاؤكِ في حَيْثُ التَقَيْنَا، وَإنّما
- أطَعْتُ مَوَاثِيقَ الجَرِيّ المُكَرَّرَا
- وَلَيْلَةَ بِتْنَا دَيْرَ حَسّانَ نَبّهَتْ
- هُجُوداً وَعِيساً كالخَسِيّاتِ ضُمَّرَا
- بكَتْ ناقَتي لَيْلاً، فَهاجَ بُكاؤها
- فُؤاداً إلى أهْلِ الوَرِيعَةِ أصْورَا
- وَحَنّتْ حَنِيناً مُنكَراً هَيّجَتْ بِهِ
- على ذي هَوىً من شَوْقِهِ ما تَنكّرَا
- فَبِتْنا قُعُوداً بَينَ مُلْتَزمِ الهَوَى،
- وَناهي جُمانِ العَينِ أنْ يَتحَدّرَا
- تَرُومُ عَلى نَعْمانَ في الفَجرِ ناقَتي،
- وَإن هيَ حنّتْ كنتُ بالشّوْقِ أعْذَرَا
- إلى حَيْثُ تَلقَاني تَمِيمٌ إذا بَدَتْ
- وَزدْتُ على قَوْمٍ عُداةٍ لِتُنْصَرَا
- فَلَمْ تَرَ مِثْلي ذائِداً عَنْ عَشِيرَةٍ،
- وَلا ناصِراً مِنْهُمْ أعَزَّ وَأكْثَرَا
- فإنَّ تَمِيماً لَنْ تَزُولَ جِبَالُهَا،
- وَلا عِزُّها هادِيُّهُ لَنْ يُغَيَّرَا
- أقُولُ لها إذْ خِفْتُ تَحْوِيلَ رَحْلِها
- عَلى مِثْلِها جَهْداً، إذا هوَ شَمّرَا
- تُساقُ وَتُمْسِي بالجَرِيضِ وَلم تكُنْ
- مِنَ اللّيْثِ أن يَعدو عَليها لتُذْعَرَا
- فإنّ مُنى النّفسِ التي أقْبَلَتْ بِهَا
- وَحِلَّ نُذُورِي إنْ بَلَغْتُ المُوَقَّرَا
- بهِ خَيرُ أهلِ الأرْضِ حَيّاً وَمَيّتاً،
- سِوَى مَن بهِ دِينُ البَرِيّةِ أسْفَرَا
- جَزَى الله خَيْرَ المُسْلِمينَ وَخَيرَهمْ
- يَدَيْنِ وَأغناهُمْ لِمَنْ كانَ أفقَرَا
- إمَامٌ كَأيّنْ مِنْ إمَامٍ نَمَى بِهِ
- وَشَمْسٍ وَبَدْرٍ قَد أضَاءا فَنوّرَا
- وَكانَ الّذي أعطاهُما الله مِنْهُمَا
- إمَامَ الهُدَى وَالمُصْطَفَى المُتَنَظَّرَا
- تَلَقّتْ بهِ في لَيْلَةٍ كانَ فَضْلُها
- عَلى اللّيْلِ ألْفاً مِنْ شُهُورٍ مُقَدَّرَا
- فَلَيْتَ أمِيرَ المُؤمِنِينَ قَضَى لَنَا،
- فَرُحْنا، ولَمْ تَنْظُرْ غَداً مَن تعذَّرَا
- كَأنّ المَطايا، إذْ عَدَلْنا صُدُورَها
- بَعْثْنَا بِأيْدِيها الحَمَامَ المُطَيَّرَا
- فكَمْ من مُصَلٍّ قد رَدَدتَ صَلاتَهُ
- لَهُ بَعْدَما قَد كانَ في الرّومِ نصّرَا
- يَدَيْهِ بِمَصْلُوبٍ عَلى سَاعِدَيْهِما
- فأصْبَحَ قَدْ صَلّى حَنِيفاً وَكَبّرَا
- فَتَحَتَ لهُمْ حتى فكَكْتَ قُيودَهمْ
- قَناطِرَ مَنْ قَد كانَ قَبلَكَ قَنطَرَا
- وَلَيْسَتْ كمَا تَبني العُلوجُ وَحُوّلَتْ
- عَنِ الجِسْرِ أبْدانُ السّفِينِ المُقَيَّرَا
- لُجَينِيّةً بيضاً، وَمَيّالَةَ العُرَى،
- هِرَقْلِيّةً صَفَرَاءَ من ضَرْبِ قَيصرَا
- تَنَاوَلْتَ ما أعْيا ابنَ حَرْبٍ وقَبْلَهُ
- وَأعْيَا أبَاكَ الحَازِمَ المُتَخَيَّرَا
- وَما كانَ قَدْ أعْيَا الوَليدَ وَبَعْدَهُ
- سُلَيمانَ مِمّن كان في الرّومِ أعصَرَا
- وَأعيا أبا حَفْصٍ فكَسّرْتَ عَنهُمُ
- على أسْوُقٍ أسرَى الحَديدَ المُسَمَّرَا
- فَلَوْلا الذي لا خَيرَ في النّاسِ بَعدَهُ
- بِهِ قَتلَ الله الّذِي كانَ خَبّرَا
- بِهِ دَمّر الله المَزُونَ وَمَنْ سَعَى
- إلَيْهِمْ كمَا كانَ الفَرَاعِينَ دَمّرَا
- وَأصْبَحَ أهْلُ الأرْضِ قَد جَمَعَتهمُ
- يَدُ الله وَالأعمى المَرِيضَ فأبصَرَا
- إلى خَيرِ أهلِ الأرْضِ أُمّاً وَخَيرِهمْ
- أباً وَأخاً إلاّ النّبيَّ، وعُنْصُرَا
- سَأثْني على خَيرِ البَرِيّةِ وَالّذِي
- عَلى النّاسِ ناءَ الغَيثُ مِنهُ فأمْطَرَا
- أرى الله في كَفّيْكَ أرْسَلَ رَحْمَةً
- على الناسِ ملءَ الأرْضِ ماءً مُفجَّرَا
- رَبِيبُ مُلُوكٍ في مَوَارِيثَ لمْ يَزَلْ
- بهَا مَلِكٌ إنْ ماتَ أوْرَثَ مِنْبَرَا
- بَنَيْتَ الّذي أحْيا سُلَيْمانَ وَابْنَهُ
- وَداوُدَ وَالجِنّ الذي كانَ سَخّرَا
- فأصْبَحَ جِسْراً خالِداً، ويَدُكّهُ
- إذا دَكّ عَنْ يأجوجَ رَدْماً فَنَشَّرَا
- بِقُوّتِهِ الله الّذِي هُوَ بَاعِثٌ
- عِبَاداً لَهُ مِنْ خَلْقِهِ حِينَ نَشّرَا
- عَصَائِبَ كانَتْ في القبورِ، فبُعِثرَتْ،
- وَعَادَ تُرَاباً خَلْقُهُ، حِينَ قَدّرَا
المزيد...
العصور الأدبيه