الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> هذا الذي تعرف البطحاء وطأته >>
قصائدالفرزدق
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
الفرزدق
- هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ،
- وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
- هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ،
- هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
- هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ،
- بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
- وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه،
- العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
- كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا،
- يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
- سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ،
- يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
- حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا،
- حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
- ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ،
- لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
- عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَتْ
- عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
- إذ رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها:
- إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
- يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه،
- فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
- بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ،
- من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
- يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ،
- رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
- الله شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ،
- جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
- أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ،
- لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ
- مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا؛
- فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
- يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ
- عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ
- مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ؛
- وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
- مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ،
- طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
- يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ
- كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
- من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ
- كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
- مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ،
- في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
- إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ،
- أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
- لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ،
- وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا
- هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ،
- وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
- لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ؛
- سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
- يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ،
- وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
المزيد...
العصور الأدبيه