الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة >>
قصائدالفرزدق
سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة
الفرزدق
- سَقَى أرْيِحَاءَ الغَيْثُ وَهي بَغِيضَةٌ
- إليّ وَلَكِنْ بي ليُسقَاهُ هَامُهَا
- مِنَ العَينِ مُنْحَلُّ العَزالي تَسُوقُهُ
- جَنُوبٌ بِأنْضَادٍ يَسُحّ رْكَامُهَا
- إذا أقْلَعَتْ عَنْهَا سَمَاءٌ مُلِحّةٌ
- تَبَعّجَ مِنْ أُخْرَى عَلَيْكَ غَمامُها
- فَبِتُّ بِدَيْرَيْ أرْيْحاءَ بِلَيْلَةٍ
- خُدارِيّةٍ، يُزْدادُ طُولاً تَمَامُهَا
- أُكَابدُ فيهَا نَفْس أقْرَبِ من مشَى
- أبُوهُ لِنَفْسٍ مَاتَ عَني نِيَامُهَا
- وَكَان إذا أرْضٌ رَأتْهُ تَزَيّلَتْ
- لِرُؤيَتِهِ صَحْرَاؤهَا وَإكَامُهَا
- تَرَى مَزِقَ السّرْبالِ فوْقَ سَمَيَدعٍ،
- يَدَاهُ لأيْتَامِ الشّتَاءِ طَعَامُهَا
- على مِثْلِ نَصْلِ السّيْفِ مزّق غمدَهُ
- مَضَارِبُ مِنْهُ، لا يُفَلّ حُسَامُهَا
- وَكَانَتْ حَيَاةَ الهَالِكِينَ يَمِينُهُ،
- وَللنِّيبِ والأبْطَالِ فيها سِمَامهَا
- وَكَانَتْ يَدَاهُ المِرْزَمَينِ، وَقِدْرُهُ
- طَوِيلاً بِأفْنَاءِ البُيُوتِ صِيَامُهَا
- تَفَرَّقُ عَنْهَا النّارُ، وَالنّابُ تَرْتمي
- بِأعْصَابِهَا أرْجَاؤهَا وَاهْتِزَامُهَا
- جِمَاعٌ يُؤدّي اللّيْلُ من كُلِّ جَانبٍ
- إلَيها إذا وَارَى الجِبَالَ ظَلامُهَا
- يَتَامَى على آثَارِ سُودٍ، كَأنّهَا
- رِئَالٌ دَعَاهَا للمَبِيتِ نَعَامُهَا
- لمَنْ أخْطَأتْهُ أرْيِحَاءُ لَقَدْ رَمَتْ
- فَتىً كَانَ حَلاّلَ الرّوَابي سِهَامُهَا
- لَئِنْ خَرّمَتْ عَني المَنَايَا مُحَمّداً،
- لَقَدْ كانَ أفنى الأوّلينَ اخْتِرَامُهَا
- فَتىً كَانَ لا يُبْلي الإزَارَ وَسَيْفُهُ
- بهِ للمَوَالي في التّرَابِ انْتِقَامُهَا
- فَتىً لمْ يَكُنْ يُدْعَى فَتىً ليس مثلَهُ
- إذا الرّيحُ ساقَ الشَّوْلَ شلاًّ جَهامُهَا
- فَتىً كَشهَابِ اللّيْلِ يَرْفَعُ نَارَهُ،
- إذا النّارُ أخْبَاها لَسارٍ ضِرَامُهَا
- وَكُنّا نَرَى مِنْ غَالِبٍ في مُحَمّدٍ
- خَلايِقَ يَعْلُو الفَاعِلِينَ جِسَامُهَا
- تَكَرُّمَهُ عَمَا يُعَيَّرُ، وَالقِرَى،
- إذا السّنَةُ الحَمْرَاءُ جَلّحَ عَامُهَا
- وَكَانَ حَيّاً للمُمْحِلِينَ وَعِصْمَةً،
- إذا السّنَةُ الشّهْبَاءُ حَلّ حَرَامُهَا
- وَقدْ كانَ مِتْعابَ المَطيّ على الوَجَا،
- وبَالسّيْفِ زَادُ المُرْمِلِينَ اعتِيامُهَا
- وَمَا مِنْ فَتىً كُنّا نَبِيعُ مُحَمّداً
- بهِ حينَ تَعْتَزّ الأُمُورُ عِظَامُهَا
- إذا مَا شِتَاءُ المَحْلِ أمسَى قد ارْتدى
- بمِثْلِ سَحِيقِ الأُرْجُوَانِ قتامُهَا
- أقُولُ إذا قَالُوا وَكَمْ منْ قَبِيلَةٍ
- حَوَالَيْكَ لمْ يُترَكْ عَلَيْها سِنَامُهَا
- أبَى ذِكْرَ سَوْرَات إذا حُلّتِ الحُبى،
- وَعندَ القِرَى، وَالأرْضُ بالٍ ثُمامُهَا
- سأبكيكَ ما كانَتْ بنَفْسِي حُشاشَةٌ،
- وَما دَبّ فوْقَ الأرْضِ يَمشِي أنامُهَا
- وَمَا لاحَ نَجْمٌ في السّمَاء، وَما دَعا
- حَمامَةَ أيْك فَوْقَ سَاق حَمامُهَا
- فَهلْ تَرْجِعُ النّفس التي قد تَفرّقَتْ
- حَياةُ صَدىً تَحتَ القُبُورِ عِظامُهَا
- وَليسَ بمَحْبُوسٍ عن النفس مُرْسلٌ
- إلَيها، إذا نَفْسٌ أتَاهَا حِمَامُهَا
- لَعمْرِي لَقَدْ سَلّمتُ لَوْ أنّ جِثَوةً
- عَلى جَدَثٍ رَدّ السّلامَ كَلامُها
- فَهَوّنَ وَجْدي أنْ كلّ أبي امرِىءٍ
- سَيُثكَلُ، أوْ يَلقاهُ مِنها لزَامُهَا
- وَقَدْ خَانَ مَا بَيْني وبَينَ مُحَمّدٍ
- لَيَالٍ وَأيّامٌ تَنَاءَى التِئَامُهَا
- كما خانَ دَلْوَ القَوْمِ إذْ يُستَقى بها
- من المَاءِ من مَتنِ الرِّشاءِ انجذامُهَا
- وَقَدْ تَرَكَ الأيّامُ لي بَعْدَ صَاحِبي
- إذا أظْلَمَتْ عَيْناً طَوِيلاً سِجامُهَا
- كَأنّ دَلُوحاً تَرْتَقَى في صُعُودِها،
- يُصِيبُ مَسِيلَيْ مُقْلَتَيّ سِلامُهَا
- على حُرّ خَدِّي مِنْ يَدَيْ ثَقَفِيّةٍ
- تَنَاثَرَ مِنْ إنْسَانِ عَيْني نِظامُهَا
- على حُرّ خَدِّي مِنْ يَدَيْ ثَقَفِيّةٍ
- تَنَاثَرَ مِنْ إنْسَانِ عَيْني نِظامُهَا
- لَعَمرِي لَقد عَوّرْتُ فَوْقَ مُحَمّدٍ
- قَلِيباً بِهِ عَنّا، طَويلاً مُقَامُهَا
- شَآمِيّةَ غَبْرَاءَ لا غُولَ غَيرُهَا،
- إلَيها مِنَ الدّنيا الغَرُورِ انْصِرَامُهَا
- فَلِلّهِ مَا اسْتَوْدَعْتُمُ قَعْرَ هُوّةٍ،
- وَمِنْ دُونِهِ أرْجَاؤهَا وَهُيَامُهَا
- بِغَوْرِيّةِ الشّأمِ التي قَدْ تَحُلّهَا
- تَنُوخُ، وَلَخْمٌ أهلُها وَجُذامُهَا
- وَقَدْ حَلّ داراً عَنْ بَنِيهِ مُحَمّدٌ
- بَطِيئاً، لمَنْ يَرْجُو اللّقَاءَ، لمَامُهَا
- وَمَا مِنْ فِرَاقٍ غَيرَ حَيْثُ رِكَابُنَا
- على القَبرِ مَحْبُوسٌ عَلَينا قِيامُهَا
- تُنَادِيهِ تَرْجُو أنْ يُجِيبَ وَقَدْ أتى
- من الأرْضِ أنضَادٌ عَلَيهِ سِلامُهَا
- وَقَدْ كَانَ مِمّا في خَليلَيْ مُحَمّدٍ
- شَمَائِلُ لا يُخشَى على الجارِ ذامُها
المزيد...
العصور الأدبيه