الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> رأيت نوار قد جعلت تجنى >>
قصائدالفرزدق
رأيت نوار قد جعلت تجنى
الفرزدق
- رَأيْتُ نَوَارَ قَدْ جَعَلَتْ تَجَنّى،
- وَتُكْثِرُ لي المَلامَةَ وَالعِتَابَا
- وَأحْدَثُ عَهْدِ وُدّكَ بِالْغَوَاني
- إذا مَا رَأسُ طَالِبِهِنّ شَابَا
- فَلا أسْطِيعُ رَدَّ الشّيْبِ عَنّي،
- وَلا أرْجُو مع الكِبَرِ الشّبَابَا
- فَلَيْتَ الشّيْبَ يَوْمَ غَدَا عَلَيْنَا
- إلى يَوْمِ القِيَامَةِ كَانَ غَابَا
- فَكَانَ أحَبَّ مُنْتَظَرٍ إلَيْنَا،
- وَأبْغَضَ غَائِبٍ يُرْجَى إيَابَا
- فَلَمْ أرَ كَالشّبَابِ مَتَاعَ دُنْيَا؛
- وَلمْ أرَ مِثْلَ كِسْوَتِهِ ثِيَابَا
- وَلَوْ أنّ الشّبَابَ يُذَابُ يَوْماً
- بِهِ حَجَرٌ مِنَ الجَبَلَينِ، ذَابَا
- فَإني يَا نَوارَ أبَى بَلائي
- وَقَوْمي في المَقَامَةِ أنْ أُعَابَا
- هُمُ رَفَعُوا يَدَيّ فَلَمْ تَنَلْني
- مُفَاضَلَةً يَدَانِ، وَلا سِبَابَا
- ضَبَرْتُ مِنَ المِئينَ وَجَرّبَتْني
- مَعَدٌّ أُحْرِزُ القُحَمَ الرِّغَابَا
- بِمُطّلِعِ الرّهَانِ، إذا تَرَاخَى
- لَهُ أمَدٌ، ألَحّ بِهِ وَثَابَا
- أمِيرَ المُؤمِنينَ، وَقَدْ بَلَوْنَا
- أُمُورَكَ كُلَّهَا رُشْداً صَوَابَا
- تَعَلّمْ إنّمَا الحَجّاجُ سَيْفٌ،
- تَجُذّ بِهِ الجَمَاجِمَ وَالرّقَابَا
- هُوَ السّيْفُ الذي نَصَرَ ابنَ أرْوَى
- بِهِ مَرْوَانُ عُثْمَانَ المُصَابَا
- إذا ذَكَرَتْ عُيُونُهُمُ ابنَ أرْوَى
- وَيَوْمَ الدّارِ أسْهَلَتِ انْسِكَابَا
- عَشِيّةَ يَدْخُلُونَ بِغَيرِ إذْنٍ
- على مُتَوَكِّلٍ وَفّى، وَطَابَا
- خَلِيلِ مُحَمّدٍ وَإمَامِ حَقٍّ،
- وَرَابعِ خَيرِ مَنْ وَطِىءَ التَرَابَا
- فَلَيْسَ بِزَايِلٍ للحَرْبِ مِنهُمْ
- شِهَابٌ، يُطْفِئُونَ بِهِ شِهَابَا
- بِهِ تُبْنى مَكَارِمُهُمْ، وَتُمرَى
- إذا مَا كانَ دِرّتُها اعْتِصَابَا
- وَخَاضِبِ لحيَةٍ غَدَرَتْ وَخَانَتْ،
- جَعَلْتَ لِشَيْبِهَا دَمَهُ خِضَابَا
- وَمُلْحَمَةٍ شَهِدْتَ لَيَوْمِ بأسٍ،
- تَزِيدُ المَرْءَ للأجَلِ اقْتِرَابا
- تَرَى القَلَعِيَّ وَالمَاذِيَّ فِيهَا
- على الأبْطالِ يَلْتَهِبُ التِهَابَا
- شَدخْتَ رُؤوسَ فِتيَتها فداخَتْ،
- وَأبْصَرَ مَنْ تَرَبّصَهَا فَتَابَا
- رَأيْتُكَ حِينَ تَعْتَرِكُ المَنَايَا،
- إذا المَرْعُوبُ للغَمَرَاتِ هَابَا
- وَأذْلَقَهُ النّفَاقُ، وَكَادَ مِنْهُ
- وَجيبُ القَلبِ يَنْتَزِعُ الحِجَابَا
- تَهونُ عَلَيكَ نَفسُكَ وَهوَ أدْنى
- لِنَفْسِكَ، عِندَ خالِقِها، ثَوَابَا
- فمَنْ يمنُنْ علَيكَ النّصرَ يكذِبْ،
- سِوى الله الذي رَفَعَ السّحَابَا
- تَفَرّدَ بِالبَلاءِ عَلَيْكَ رَبٌّ،
- إذَا نَاداهُ مُخْتَشِعٌ أجَابَا
- وَلَوْ أنّ الذي كَشّفْتَ عَنْهُمْ
- مِنَ الفِتَنِ البَلِيّةَ وَالعَذَابَا
- جَزَوْكَ بها نُفُوسَهُمُ وَزَادُوا
- لَكَ الأمْوَالَ، ما بَلَغُوا الثّوَابَا
- فَإني وَالّذِي نَحَرَتْ قُرَيْشٌ
- لَهُ بمِنىً، وَأضْمَرَتِ الرّكَابَا
- إلَيْه مُلَبَّدِينَ، وَهُنّ خُوصٌ،
- لِيَسْتَلِمُوا الأوَاسِيَ وَالحِجَابَا
- لَقدْ أصْبَحَتُ منكَ عَليّ فَضْلٌ،
- كَفَضْلِ الغَيْثِ يَنفَعُ مَن أصَابَا
- وَلَوْ أني بِصينِ اسْتَانَ أهْلي،
- وَقَدْ أغلَقْتُ من هَجْرَينِ بَابَا
- عَليّ رَأيْتُ، يا ابنَ أبي عَقيِلٍ،
- وَرَائي مِنْكَ أظْفَاراً وَنَابَا
- فَعفْوُكَ، يا ابن يوسفَ، خيرُ عفوٍ،
- وَأنْتَ أشدُّ مُنْتَقِمٍ عِقَابَا
- رَأيْتُ النّاسَ قَدْ خافُوكَ حَتى
- خَشُوا بيديكَ، أوْ فرَقوا، الحِسابَا
المزيد...
العصور الأدبيه