الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> ترى كل منشق القميص كأنما >>
قصائدالفرزدق
ترى كل منشق القميص كأنما
الفرزدق
- تَرَى كُلّ مُنشَقّ القَميصِ كَأنّما
- عَلَيْهِ بِهِ سِلْخٌ تَطِيرُ رَعَابِلُهْ
- سَقاهُ الكَرَى الإدْلاجُ حتى أمَالَهُ
- عَنِ الرّحْلِ عَيْناً رَأسُهُ وَمَفاصِلُهْ
- وَنَادَيْتُ مغْلوْبِينَ هَلْ من مُعاوِنٍ
- على مَيّتٍ يَدنُو من الأرْضِ مائلُهْ
- فَمَا رَفَعَ العَيْنَيْنِ حتى أقَامَهُ
- وَعِيدِي، كَأنّي بِالسّلاحِ أُقَاتِلُهْ
- أقَمْتُ لَهُ المَيْل الذي في نُخاعِهِ
- بتَفْدِيَتي، واللّيْلُ داجٍ غَياطِلُهْ
- قد اسْتَبْطَأتْ مني نَوَارُ صَرِيمَتي،
- وَقَد كان هَمّي يَنفُذُ القلبَ داخِلُهْ
- رَأتْ أيْنُقاً عَرّيْتُ عاماً ظُهُورَهَا،
- وَما كانَ هَمّي تَسْترِيحُ رَوَاحِلُهْ
- حَرَاجِيجُ، لمُ يَتْرُكْ لَهُنّ بَقِيّةً،
- غُدُوُّ نَهَارٍ دايِمٍ، وَأصَايِلُهْ
- يُقاتِلنَ عن أصْلابِ لاصِقَةِ الذُّرَى،
- مِنع الطّيْرِ غِرْباناً عَلَيها نَوَازِلُهْ
- فَإنْ تَصْحَبِينَا يا نَوَارُ تُنَاصِفي
- صَلاتَكِ في فَيْفٍ تكُرّ حَوَاجِلُهْ
- مَوَاقِعَ أطْلاحٍ على رُكَبَاتِهَا
- أُنيخَتْ وَلَوْنُ الصّبحِ وَرْدٌ شَوَاكلُهْ
- وَتَخْتَمري عَلى عجلى ظَهرِ رَسْلَةٍ
- لِها ثَبَجٌ عَاري الَمعَدَّين كاهِلُهْ
- وَما طَمِعَتْ بِالأرْضِ رَائِحَةً بِنا
- إلى الغَدِ حَتى يَنْقُل الظّلَّ نَاقِلُهْ
- تَسُومُ المَطايا الضّيمَ يَحفِدنَ خَلفَها
- إذا زَاحَمَ الأحقابَ بالغَرْض جائلُهْ
- ولَمّا رَأتْ ما كان يَأوِي وَرَاءَها،
- وَقُدَّامَها قَدْ أمْعَرَتْهُ هَزَايِلُهْ
- كَبابٌ مِنَ الأخْطارِ كانَ مُرَاحُهُ
- عَليها فأوْدى الظّلْفُ مِنهُ وَجامِلُهْ
- بكَتْ خَشيةَ الإعطابِ بالشأمِ إنْ رَمى
- إلَيْهِ بِنَا دَهْرٌ شَدِيدٌ تَلاتِلُهْ
- فَلا تَجْزَعي، إني سأجْعَلُ رِحْلَتي
- إلى الله والبَاني لَهُ، وَهْوَ عامِلُهْ
- سُلَيْمانُ غَيْثُ المُمْحِلِينَ وَمَنْ بهِ
- عن البائسِ المِسكينِ حُلّتْ سَلاسلُهْ
- وَمَا قام مُذْ ماتَ النّبيُّ مُحَمّدٌ
- وَعُثمانُ فَوْقَ الأرْضِ رَاغٍ يعادلُهْ
- أرى كلَّ بَحْرٍ غَيرَ بحرِكَ أصْبَحَتْ
- تَشَقَّقُ عَن يَبسِ المَعينِ سَوَاحِلُهْ
- كَأَنَّ الفُراتَ التجَوْنَ يَجْري خبَابُهُ
- مُفَجّرَةً بيْنَ البيُوتِ جَدَاوِلُهْ.
- وَقَدْ عَلِموا أنْ لَنْ يميلَ بك الهَوى،
- وَمَا قُلْتَ من شَيء فإنّكَ فاعلْهُ
- ومَا يَبتَغي الأقْوامُ شيَئاً وَإنْ غَلا
- مِنَ الخَيرِ إلاّ في يَدَيْكَ نَوَافِلُهْ
- أرى الله في تِسْعِينَ عاماً مَضَتْ لَهُ
- وَسِتٍّ مَعَ التّسعينَ عادتْ فَواضِلُهْ
- عَلَيْنَا، وَلا يَلْوِي كما قَد أصَابَنا
- لدَهْرٍ عَلَينا، قَد ألحّتْ كَلاكِلُهْ
- تَخَيّرَ خَيْرَ النّاسِ للنّاسِ رَحَمَةً،
- وَبَيْتاً، إذا العاديُّ عُدّتْ أوَائِلُهْ
- وَكَانَ الّذي سَمَّاهُ باسْمِ نَبِيّهِ
- سُلَيْمانَ إنّ الله ذا العَرْشِ جاعلُهْ
- عَلى النّاسِ أمْناً، واجْتِماعَ جَماعَة،
- وَغَيْثَ حَياً للنّاسِ يُنْبِتُ وَابِلُهْ
- فأحْيَيْتَ مَنْ أدْرَكْتَ مِنّا بسُنّةٍ
- أبَتْ لمْ يُخالِطْها مَعَ الحَقّ باطِلُهْ
- كَشفْتَ عن الأبْصَارِ كُلَّ عَشاً بها،
- وَكُلُّ قَضَاءٍ جَائرِ أنْتَ عَادِلُهْ
- وَقَدْ عَلِمَ الظُّلْمُ الّذي سَلّ سَيفَه
- على النّاسِ بالعُدْوَانِ أنّكَ قاتِلُهْ
- وَلَيسَ بمُحيي الناسِ مَن ليس قاضياً
- بحقٍّ ولمْ يُبْسَطْ على النّاسِ نايِلُهْ
- فَأصْبَحَ صُلْبُ الدّينِ، بعْدَ التوَائه
- على النّاسِ بالمَهديّ، قُوّمَ مايِلُهُ
- حَمَلْتَ الذي لمْ تحملِ الأرْضُ وَالتي
- عَلَيْها فأدّيْتَ الّذي أنْتَ حامِلُهْ
- إلى الله مِنْ حَمْلِ الأمانَةِ بَعْدَما
- أُضِيَعَتْ وَغَالَ الدّين عَنّا غَوايلُهُ
- جَعَلْتَ مكان الجَوْرِ في الأرْض مثلَه
- من العَدلِ إذْ صَارَتْ إليكَ مَحاصِلُهْ
- وَما قُمتَ حتى استَسَلَمَ الناسُ وَالتقى
- عَليهمْ فمُ الدّهرِ العضُوضِ بِوَازِلُهْ
- وَحَتى رَأوْا مَنْ يَعْبُدُ النّارَ آمِناً
- لِ جارُهُ، والبيتَ قَد خافَ داخِلُهْ
- فَأضْحَوْا بإذْنِ الله بَعْدَ سَقامِهمْ
- كذي النّتفِ عادتْ بعد ذاك نَواصِلُهْ
- رَأيتُ ابن ذُبْيانٍ يَزِيدَ رَمَى بِهِ
- إلى الشأمِ يَوْمَ العَنزِ والله شَاغِلُهْ
- بعَذْرَاءَ لمْ تَنكِحْ حَليلاً، وَمن تلجْ
- ذِرَاعَيْهِ تَخْذُلْ ساعِدَيْهِ أنامِلُهْ
- وَثِقْتُ لَهُ بِالخِزْيِ لَمّا رَأْيْتُهُ
- على البَغلِ مَعدُولاً ثِقالاً فَرَازِلُهْ
المزيد...
العصور الأدبيه