الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> ألا استهزأت مني هنيدة أن رأت >>
قصائدالفرزدق
ألا استهزأت مني هنيدة أن رأت
الفرزدق
- ألا استَهْزَأتْ مني هُنَيدَةُ أنْ رَأتْ
- أسِيراً يُداني خَطْوَهُ حَلَقُ الحِجلِ
- وَلَوْ عَلِمَتْ أنّ الوَثَاقَ أشَدُّهُ
- إلى النّارِ قالتْ لي مَقالةَ ذي عَقلِ
- لَعَمْرِي لَئِنْ قَيّدْتُ نَفْسي لطالما
- سَعَيتُ وأوْضَعْتُ المَطِيّةَ للجَهلِ
- ثَلاثِينَ عاماً ما أرَى مِنْ عَمَايَةٍ،
- إذا بَرَقَتْ، إلاّ شَدَدْتُ لها رَحْلي
- أتَتْني أحادِيثُ البَعِيثِ وَدُونَهُ
- زَرُودٌ فشاماتُ الشّقيقِ إلى الرّمْلِ
- فَقُلْتُ أظَنَّ ابنُ الخَبِيثَةِ أنّني
- شُغِلْتُ عن الرّامي الكِنانَةَ بالنَّبْلِ
- فإنْ يَكُ قَيْدي كان نَذراً نَذَرْتُهُ،
- فما بي عَنْ أحْسابِ قَوْميَ من شغلِ
- أنا الضّامنُ الرّاعي عَلَيْهِمْ، وَإنّما
- يُدافَعُ عنْ أحسابهِمْ أنا أوْ مِثْلي
- ولَو ضَاعَ ما قالُوا ارْعَ منّا وَجَدتَهم
- شِحاحاً على الغالي من الحَسبِ الجَزْلِ
- إذا ما رَضُوا مني، إذا كنتُ ضَامِناً
- بأحسابِ قَوْمي في الجبِالِ وفي السّهلِ
- فَمَهما أعِشْ لا يُضْمِنُوني وَلا أضَعْ
- لهُمْ حَسَباً ما حَرّكَتْ قَدَمي نَعْلي
- وَلَستُ إذا ثَارَ الغُبارُ على امرِىءٍ،
- غَداةَ الرّهانِ، بالبَطيء ولا الوَغْلِ
- وَلَكِنْ تُرى لي غَايَةُ المَجْدِ سابقاً،
- إذا الخَيلُ قادَتها الجيادُ معَ الفَحلِ
- وَحَوْلَكَ أقَوامٌ رَددْتَ عُقُولَهُمْ
- عَلَيهمْ لكانوا كالفَرَاشِ من الجَهلِ
- رَفَعْتُ لهُمْ صَوْتَ المُنادي فأبصرُوا
- على خَدِباتٍ في كَواهِلِهمْ جُزْلِ
- وَلوْلا حَيَاءٌ زِدْتُ رَأسَك هَزْمَةً،
- إذا سُبِرَتْ ظَلّتْ جَوانِبُها تَغْلي
- بَعِيدَةُ أطْرَافِ الصُّدُوعِ كَأنّهَا
- رَكِيّةُ لُقْمَانَ الشّبِيهَةُ بالذَّحْلِ
- إذا نَظَرَ الآسُونَ فِيهَا تَقَلّبَتْ
- حَماليقُهمْ من هَوْلِ أنيابِها الثُّعْلِ
- إذا ما رَأتْها الشّمسُ ظَلّ طَبِيبُهَا
- كمَن ماتَ، حتى اللّيلِ مُختَلَس العقلِ
- يَوَدّ لَكَ الأدْنَوْنَ لوْ مُتّ قَبْلَها،
- يَرَوْنَ بهَا شَرّاً عَلَيْكَ من القَتْلِ
- تعرَى في نَواحِيها الفِرَاخَ، كَأنّما
- جَثَمْنَ حَوَاليْ أُمّ أرْبَعَةٍ طُحلِ
- شَرَنْبَثَةٌ شَمْطَاءُ مَنْ يَرَ ما بِها
- تُشِبْهُ وَلَوْ بَينَ الخِماسِيّ وَالطِّفْلِ
- إذا ما سَقَوْها السّمن أقْبَلَ وَجهُها
- بعَينيْ عَجوزٍ من عُرَينَةَ أوْ عُكلِ
- جَنَادِفَةٍ سَجْرَاءَ، تَأخُذُ عَيْنُها
- إذا اكتحَلتْ نصْفَ القفيزِ من الكُحلِ
- وَإني لَمِنْ قَوْمٍ يَكُونُ غَسُولُهمْ
- قِرَى فأرَةِ الدّارِيّ تُضرَبُ في الغَسلِ
- فما وَجَدَ الشّافُونَ مثلَ دِمائِنا
- شِفاءً ولا السّاقونَ من عسل النّحلِ
المزيد...
العصور الأدبيه