الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> الفرزدق >> أتصرف عن ليلى بنا أم تزورها >>
قصائدالفرزدق
أتصرف عن ليلى بنا أم تزورها
الفرزدق
- أتَصْرِفُ عَنْ لَيْلى بِنا أمْ تَزُورُها،
- وَمَا صُرْمُ لَيلى بَعدَما ماتَ زِيرُهَا
- فإنْ يَكُ وَارَاهُ التّرَابُ، فَرُبّمَا
- تَجَرّعَ مِنّي غُصّةً لا يُحِيرُها
- ألا لِيَلُمْ مَنْ ضَنّ بِالمَالِ نَفْسَهُ،
- إذا ضِبْرِمٌ بَانَتْ بلَيْلٍ خُدُورُها
- ألا رُبّما إنْ حَالَ لُقْمَانُ دُونَها
- تَرَبّعَ بَينَ الأرْوَتَينِ أمِيرُهَا
- مُقَابَلَةَ الثّايَاتِ ثايات ضَابِىءٍ
- مَرَاتِعَ مِنْهَا لا تُعَدّ شُهُورُها
- بِصَحْرَاءَ مِكْمَاءٍ تَرُدّ جُناتُها
- إلَيها الجَنى في ثَوْبِ مَنْ يَستَثِيرُها
- إذا هي حَلّتْ في خُزَاعَةَ وَانْتَوَتْ
- بها نِيّةٌ زَوْرَاءُ عَمّنْ يَزُورُها
- فَرُبّ رَبِيعٍ بِالبَلالِيقِ قَدْ رَعَتْ
- بمُسْتَنّ أغْياثٍ بُعَاقٍ ذُكُورُها
- تَحَدّرَ قَبْلَ النّجْمِ مِمّا أمَامَهُ
- من الدّلوِ وَالأشرَاطِ يجرِي غَديرُها
- وَرَحْلٍ حَمَلنا خَلفَ رَحلٍ وَناقَةٍ
- تَرَكْنَا بعَطْشَى لا يُزَجّى حَسيرُها
- تَرَكْنَا عَلَيها الذّئْبَ يَلْطُمُ عَينَهُ
- نهَاراً، بِزَوْرَاءِ الفلاةِ، نُسُورُها
- وَلمّا بَلَغْنَا الجَهْدَ مِنْ مَاجِداتها،
- وَبَيّنَ مِنْ أنْسَابهِنّ شَجِيرُها
- تَجَرّدَ مِنها كُلُّ صَهْبَاءَ حُرّةٍ
- لِعَوْهَجَ أوْ للدّاعِرِيّ عَصِيرُها
- مَشَى، بَعدَما لا مُخّ فِيهَا بِآدِها
- نَجابَةُ جَدّيْها بهَا،، وَضَرِيرُها
- يَرُدّ على خَيْشومِها مِنْ ضَجَاجِها
- لها بَعدَ جَذْبٍ بالخَشاشِ جَرِيرُها
- وَمَحْذُوّةٍ بَينَ الحِذَاءِ الّذِي لهَا،
- وَبَينَ الحَصَى، نَعْلاً مُرِشّاً بَصِيرُها
- طَوَتْ رِحمَها مِنهُنّ كُلُّ نَجيبَةٍ
- منَ المَاءِ وَالتَفّتْ عَليهِ سُتُورُها
- أتَيْنَاكَ مِنْ أرْضٍ تَمُوتُ رِياحُها
- وَبالصّيْفِ لا يُلفى دَليلٌ يطورُها
- منَ الرّمْلِ رَملِ الحَوْشِ يَهلِكُ دونه
- رَوَاحُ شَمالٍ نَيرَجٍ وَبُكورُها
- قَضَتْ ناقَتي ما كنتُ كَلّفت نحبَهَا
- مِنَ الهَمّ والحاجِ البَعيدِ نَعُورُها
- إذا هيَ أدّتْني إلى حَيْثُ تَلْتَقي
- طَوَالِبُ حَاجاتٍ، بَعِيدٍ مَسِيرُها
- إلى المُصْطَفَى بَعدَ الوَليّ الذي لَهُ
- على النّاسِ نُعمَى يملأُ الأرْضَ نورُها
- وَكمْ من صَعُودٍ دونَها قَدْ مَشيتُها
- وَهابِطَةٍ أُخْرَى يُقَادُ بَعِيرُها
- وَما أمَرَتْني النّفْسُ في رِحْلَةٍ لهَا،
- فَيَأمُرَني إلاّ إلَيْكَ ضَمِيرُها
- وَلمْ تَدْنُ حَتى قُلْتُ للرَّكبِ: إنّكُم
- لآتونَ عَينَ الشّمسِ حيثُ تَغُورُها
- فَلَمّا بَلَغْنَا أرْجَعَ الله رِحْلَتي،
- وَشُقّتْ لَنَا كَفٌّ تَفيضُ بحُورُها
- نَزَلْنَا بِأيّوبٍ، ولمْ نَرَ مِثْلَهُ،
- إذا الأرْضُ بالناسِ اقشعرّتْ ظهورُها
- أشدَّ قُوى حَبْلٍ لمَنْ يَسْتَجِيرُهُ،
- وَأطْوَلَ، إذْ شَرُّ الحِبَالِ قَصِيرُها
- جَعَلْتَ لَنا للعَدْلِ بَعدكَ ضَامِناً،
- إذا أُمّةٌ لمْ يُعْطِ عَدْلاً أمِيرُها
- أقَمتَ بهِ الأعناقَ بَعدَكَ فانتَهَتْ
- إلَيْكَ بِأيْدي المُسلِمِينَ مُشِيرُها
- دَعَوْتَ لَهُمْ أنْ يجعَلَ الله خَيرَهم
- وَأنْتَ بدَعْوَى بالصّوَابِ جَدِيرُها
- أرَادَ بهِ الباغونَ كَيْداً، فكادَهُمْ
- بهِ رَبُّ بَرّاتِ النّفُوسِ خَبِيرُها
- ولَوْ كايَدَ العَهْدَ الّذي في رِقَابِهِمْ
- لَهُ أخْشَبا جَنْبَيْ مِنىً وَثَبِيرُها
- لِيَنْقُضْنَ تَوْكيدَ العُهُودِ التي لَهُ
- لأمسَتْ ذُرَاها وَهيَ دُكٌّ وَعُورُها
- وَقَوْمٍ أحاطَتْ لَوْ تُرِيدُ دِماءهُمْ
- بِأعْنَاقهِمْ أعْمَالُهُمْ لَوْ تُثيرُها
- عَلَيْهِمْ رَأوْا مَا يَتّقُونَ من الذي
- غَلتْ قِدرُهمْ إذ ذابَ عنها صُيورُها
- تجاوَزْتَ عَنهُم فَضْل حلمٍ كما عَفا،
- بمُسكِنَ وَالهنديُّ تَعْلُو ذُكورُها
- أبُوكَ جُنُوداً بَعدَما مَرّ مُصْعَبٌ،
- تَفَلّذَ عَنْهُ، وَهْوَ يَدْعو، كَثيرُها
- فَأنْتَ أحَقُّ النّاسِ بالعَدلِ وَالتُّقى
- وَأنتَ ثَرَى الأرْضِ الحَيا وَطَهورُها
- فَأصْبَحْتُمَا فِينَا كَداودَ وَابنِهِ،
- على سُنّةٍ يُهْدَى بها مَنْ يَسِيرُها
المزيد...
العصور الأدبيه