الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> عبد الجبار بن حمديس >> نَنَاَمُ من الأيامِ في غَرَضِ النَّبْلِ >>
قصائدعبد الجبار بن حمديس
نَنَاَمُ من الأيامِ في غَرَضِ النَّبْلِ
عبد الجبار بن حمديس
- نَنَاَمُ من الأيامِ في غَرَضِ النَّبْلِ
- ونُغْذى بمُرّ الصّاب منها فنستحلي
- وقد فرغتْ للقوم في غفلاتهم
- حتوفٌ بهم تُمسي وتُصبحُ في شُغْل
- أرى العالم العلويّ يفنى جميعهُ
- إذا خَلتِ الدّنْيا من العالم السفلي
- ويبقى على ما كان من قبل خلقِهِ
- إلهٌ هَدَى أهلَ الضّلالة ِ بالرّسل
- ويبعثُ مَنْ تحتَ التراب وفوقه
- نشورا، إليه الفضل، يا لك من فضل
- أرى الموت في عيني تخّيلَ شخصُهُ
- ولي عُمُرٌ في مثلهِ يتقي مثلي
- وكادتْ يدٌ منه تشدّ على يدي
- ورجلٌ له بالقُرْبِ تمْشي على رجلي
- وفي مدّ أنفاسي لديّ وجزرها
- بقاءٌ لنفسٍ غير مُتصل الحبل
- ثمانون عاماً عِشتُها ووجدتها
- تهدمُ ما تبني وتخفض من تُعلي
- وإني لَحَيّ القولِ في الأملِ الذي
- إذا رُمْتُهُ ألفيتُهُ مَيّتَ الفعْل
- إذا الله لم يمنحكَ خيرا، مُنِعْتَهُ
- على ما تعانيه من الحِذْقِ والنُّبل
- فيا سائلي عن أهل ذا العصر دعْهمُ
- فبالفَرْع منهم يُسْتَدَلّ على الأصّلِ
- إذا خَلَلٌ في الحالِ منك وَجَدْتَهُ
- فإيّاكَ والتعويلَ منهم على خِلّ
- تأملتُ في عقلي وضعفي فقل إذا
- سئلتَ: رأيتُ الشيخ في عُمر الطفل
- وهمٌ لهه حِمْلٌ على الهمِّ ثِقْلُهُ
- فيا ليتَهُ مِنْهُ على كاهلِ الكَهْلِ
- رجعْتُ إلى ذكر الحِمام فإنَّه
- له زَمَنٌ ملآنٌ بالغدْرِ والخَتْل
- وكم لقوة ٍ من قُلّة ِ النيق حطّها
- إلى حيث تفنيها الذبابة بالأكلِ
- وقسورة ٍ أفضى إلى نزع روحه
- وشقّ إليها بين أنيابه العُصْل
- فما للردى من منهلٍ لا نُسيغُهُ
- وواردُهُ يَغْنَى عن العَلّ بالنّهل
- فيا غرسة ً للأجرِ كنتُ نقلتُها
- إلى كَنَفيْ صَوْني وألحفتُها ظلي
- وأنكحتها من بعد صدقٍ حَمِدتُهُ
- كريماً فلم تَذَمُمْ مُعاشَرَة َ البعل
- أتاني نعيٌ عنكِ أذكى جوى الأسى
- عليّ: اشتعالَ النارِ في الحطب الجزل
- وجاءكَ عنّي نعيُ حيّ فلم يُجِزْ
- لك الكُحْلُ فيه ما لبستِ من الكحل
- على أنّ أسماعَ البلاد تسامعتْ
- به وهو يجْري بين ألْسِنَة السُّبْلِ
- فنُحْتِ على حيٍّ أماتَ شبابَهُ
- زمانُ مشيبٍ لا يُجدّدُ ما يبلي
- فمتّ بما شاء الإلهُ ولم أمتْ
- لِيَكْتُبَ عمري من حياتي الذي يملي
- وفارقت روحاً كان منكِ انْتزاعُهُ
- أدقّ دبيباً في الجسومِ من النملِ
- أراني غريباً قد بكيتُ غريبة ً
- كلانا مشوقٌ للمواطنِ والأهل
- بكتني وظنّتْ أنّني مت قبلها
- فعشتُ وماتتْ -وهي محزونة -قبلي
- أقامتْ على موتي، الذي قيل، مأتماً
- وأبكتْ عيونَ الناس بالطّلّ والوبْلِ
- وكلٌّ على مِقدار حَسْرته بَكَى
- عليّ ولاقَى ما اقتضاه من الشكل
- أساكنة َ القبرِ الذي ضُمّ قُطرُهُ
- على البرّ منها والديانة والفضلِ
- أصابِكِ حزنٌ من مُصَابِيَ قاتلٌ
- فهل أجلٌ لا قاك قد كان من أجلي؟
- وخلّفْتِ في حِجْرِ الكآبة ِ للبكا
- بناتٍ لأمّ في مفارقة الشّمْلِ
- يُرينَ كأفراخِ الحمامة ِ صادها
- أبُو ملحمٍ في وكرِهِ كأبي الشّبْل
- بكتكِ قوافي الشعرِ من غزر أدْمُعٍ
- بكاءَ الحَمامِ الوُرْقِ في قُضُبِ الأثْل
- وكلّ مهاة ٍ حَوْلَ قبركِ بالفلا
- لما بين عينيها وعينيكِ من شكل
- فَرَوّى ضريحاً من كفاحٍ عن الثرى
- له وابلٌ بالخصبِ ما خُطّ بالمحلِ
- أيا ربِّ إن الخَلْقَ لا أرتجيهمُ
- فكلْ ضعيف لا يُمِرّ ولا يُحلي
- بحلمكَ تعفو عن تعاظمِ زلتي
- وفضلك عن نقصي، وحلمك عن جهلي
المزيد...
العصور الأدبيه