تضنُّ القلوبُ بأسرارها. ويبوحُ المسدَّسُ. ما الحلُّ؟
يا جنرالَ الظلامِ . ويا سيّدَ النفطِ والحلِّ والرّبطِ . ما الحلُّ
يا سيّدَ البورصةِ الخائفهْ
ويا قاتلَ الوقتِ في رَحْمِ ساعاتِنا الواقفهْ
إلى أين تمضي جنائزُ أحلامِك النازفهْ
إلى أين يمضي السلامُ؟
إلى أين يمضي الكلامُ؟
إلى غوانتانامو..
تعيشُ اللغاتُ هنا. وتموتُ اللغاتْ
على الملحِ والدمعِ والذكرياتْ
وتؤوي بقايا الرفاتِ بقايا الرفاتْ
وأحذيةُ الجندِ لا تستريحُ. وقبضاتُهم لا تريحُ. وما من شرائعَ. ما من وصايا. ولا دينَ. لا ربَّ. لا شرقَ. لا غربَ. ما من حدودٍ. وما من جهاتْ
هنا كوكبٌ خارجَ الأرضِ. لا تُشرقُ الشمسُ فيه. وما من حياةٍ عليه. وما من حروبٍ. وليسَ عليه سلامُ
هنا كوكبٌ خارجَ الجاذبيَّهْ
وما من معانٍ إلهيَّةٍ تدَّعيهِ
وما من رؤىً آدميَّهْ
ظلامٌ
ظلامٌ
ظلامُ
هنا.. غوانتانامو..
جناحُ الفراشةِ ينسى زهورَ الربيعِ. جناح الفراشةِ ينسى الربيعَ القديمَ الجديدَ القريبَ البعيدَ. ويسقطُ في النارِ. لا طَلْعَ. لا زرعَ. كفُّ الأسيرِ جناحُ الفراشةِ. مَن أشعَلَ النارَ في البدءِ؟ مَن أرهبَ النسمةَ
الوادعَهْ
ومن أرعبَ الوردةَ الطالعهْ
لتسقطَ كفُّ الأسيرِ. ويسقطَ قلبُ الطليقِ. على لهبِ الفاجعَهْ
ويرحلَ بالراحلينَ المقامُ
إلى غوانتانامو..
كلامٌ جميلٌ عن العدلِ والظلمِ. والحربِ والسلمِ. في مجلسِ الحسنِ والصونِ والأمنِ. في كافيتيريا الرصيفِ. وفي البرلمانِ. وفي المهرجانِ. وبين القضاةِ. وفي الجامعاتِ. كلامٌ غزيرٌ. وحلوٌ
"لأمِّك حقٌّ عليكَ. ترفَّقْ بأمِّك يا ابني. تعالَ قليلاً. ألستَ ترى أنّني راحلهْ؟"
"تُرى أين أنتَ؟"
وتجهلُ أُمُّ الأسيرِ البعيدِ مكاناً بعيداً
يسمُّونَهُ غوانتانامو
وتبكي.. وتبكي عليها العنادلُ. تبكي النسورُ. ويبكي اليمامُ..
هنا وطنُ الحزنِ من كلِّ جنسٍ ولونٍ. هنا وطنُ الخوفِ والخسفِ من كلِّ صنفٍ. هنا وطن السحقِ والمحقِ والموتِ كيف تشاءُ المشيئةُ موتٌ ترابٌ. وموتٌ رخامُ
هنا غوانتانامو
أراجيحُ ضوءٍ شحيحٍ عقاربُ ساعتِهِ المفلتهْ
ورقّاصُ ساعتِهِ الميّتهْ
هنا غوانتانامو
يغنّي المغنّي الأسيرُ دماً. يا صديقي المغنّي
لجرحِكَ إيقاعُ جرحي
لصوتِكَ أوتارُ حزني
لموتِكَ ما ظلَّ لي من حياتي
وما ظلَّ للموتِ منّي
وكلُّ زمانٍ هُلامُ
وكلُّ مكانٍ هُلامُ
سوى غوانتانامو..
لبرجِ المراقبةِ الجهْمِ أن يستثيرَ الرياحَ وأن يستفزَّ الجهاتْ
وللحارسِ الفظّ أن يشتُمَ الأمَّهاتْ
وللثكناتِ .. وللأسلحهْ
ممارسةُ الحلمِ بالمذبحهْ
وللزيتِ والشَّحم والفحمِ أن تتحدّى طموحَ الزهورِ
وأن تتصدّى لتوقِ النباتْ
وللقبضاتِ. وللأحذيهْ
معاقبةُ الأغنيهْ
وقمعُ الصَّلاةْ
هنا ما يشاءُ النِّظامُ
وفوضى تُرتِّبُ فوضى
ويُسكِتُ جوعاً صِيامُ
هنا غوانتانامو..
ينامون بين الأسرَّةِ والريحِ. أهدابُهم في النجومِ. وأطرافُهم في مياهِ المحيطِ. ينامونَ صفراً عُراةً وسوداً وبيضاً عراةً وسُمراً عُراةً. لحافُ السماءِ غطاءٌ ثقيلٌ. ينامون بين شفيرِ الجحيمِ وحبلِ الخلاصِ.
وهل من خلاصٍ سوى ما تُتيحُ حبالَ المشانقِ؟ هل من خلاصٍ سوى ما تُتيحُ حبالُ المشانقِ؟ مَن يُصدرُ الحُكمَ يا حضراتِ القضاةِ الغزاةِ الطغاةِ؟ ينامون أسرى الحنينِ وأسرى الجنونِ. ولا نومَ . لا صحوَ. ما
متى تسقطُ الكأسُ من كفِّ يوضاسَ؟ أين الوصايا؟ وأين المرايا؟ أليسَ هنا أَحَدٌ؟ أين أنتم؟ وهُم؟ أين نحنُ؟ وأين قضاةُ النظامِ الجديدِ؟ ألم يفرغوا من طقوسِ العشاءِ الأخيرِ؟ ومن خطّةِ الضَّربِ والصَّلبِ؟ أين رُعاةُ
الحقوقِ؟ وأينَ حُماةُ الحدودِ؟ ألم يشبعوا من طعامِ العشاءِ الأخيرِ؟ ألم يكفِهم جسدي خبزهم ودمي خمرهم؟ يتخمونَ على رسلِهم. يثملونَ على رِسلِهم. يصخبونَ. وشاهدةُ القبرِ بينهم المائدهْ
ووجبتُهم جثّتي الخامدهْ
هنا غوانتانامو
هنا تتهاوى النواميسُ. يسقطُ سرُّ اللّغاتِ. هنا تتشظّى الجراحُ. هنا تتلظّى الرياحُ. متى تنهضُ الشمسُ من قبرِها؟