الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> عبد الغني النابلسي >> إن الحروف إشارات المداد فلا >>
قصائدعبد الغني النابلسي
- إن الحروف إشارات المداد فلا
- حرف هناك سوى ذات المداد طلا
- طلا الحروف اللواتي صار صبغتها
- وهما وصبغته صارت وما انتقلا
- بطونها كان في غيب المداد كما
- ظهورها كان بالتقدير منه إلى
- وهي التقادير منه والشؤون له
- وليس ثم سواه فالهم المثلا
- وانهنّ سواه ولا تقل هي هو
- تخطى ولا هو أيضا هنّ مختبلا
- فإنه كان من قبل الحروف ولا
- حرف ويبقى ولا حرف هناك ولا
- وهالك كل حرف في العيان سوى
- وجه المداد بمعنى ذاته جعلا
- فللحروف ظهور وهي خافية
- وذاك عين ظهور للمداد حلا
- والحرف ما زاد شيئا في المداد ولم
- ينقصه شيئا ولكن فصل الجملا
- وما تغير بالحرف المداد وهل
- مع المداد وجود للحروف إلا
- إلا فحقق مقالي ما الوجود هنا
- سوى وجود مداد عند من عقلا
- وأينما انك حرف لم يزل معه
- مداده فاعقل الأمثال ممتثلا
- ونحن لم نضرب الأمثال فيه له
- وإنما هو للأمثال قد بذلا
- ونحن أمثاله اللاتي ضربن لنا
- في خلقه قد فهمناها ولا جدلا
- فكن بصيرا بأمر جلّ عارفه
- له المداد وأنواع الحروف جلا
- واعلم بأن مداد الحرف فاعله
- به محيط له فيه عليه ولا
- والحكم ليس سوى حكم الحروف وما
- لها وجود فحقق رتبة النبلا
- إن الوجود الحقيقي ذات خالقنا
- وهو الذي عز في سلطانه وعلا
- وهو المداد يمدّ الكل أجمعهم
- بذاته فهو فهيم كلهم كملا
- وذاته في سواها لا تحلّ إذا
- إذ لا سواها ولا فيها السوى حصلا
- وإنما الكل سماها الشؤون له
- جيمعها فهو فيها طبق ما نقلا
- والكل منه إشارت يشير بها
- وما الإشارة إلا فعل من فعلا
- نحن الكتاب لأنا أحرف كتبت
- به على نفسه قد خطنا وتلا
- والكاتب الحق يمحونا ويثبتنا
- كما يشاء فلا نبغي به بدلا
- والروح عرش التجلي بالصفات بدت
- والذات منا ثمان عرشه حملا
- والنفس كرسيه السبع الطباق حوى
- مناهي الحفظ فالوهم الذي قبلا
- فالفكر فالعقل أيضا فالخيال بدا
- فالطبع فالحس فالأشياء قد شغلا
- والجسم فيها الأراضي سبعة ظهرت
- جلد فعرق فعضروف به اشتملا
- فالعظم ثم الغشا فالقلب داخله
- ثم الشغاف بحب القلب قد عدلا
- حتى العناصر فيها أربع عرفت
- صفرا دم بلغم سوداء قل مثلا
- ثم المواليد فيها أربع ظفر
- شعر وقمل وإنسان المنيّ تلا
- وكل واحدة مما ذكرت لها
- بالأصل منها اتصال قط ما انفصلا
- مراتب كلها عين الوجود بدت
- بها بشكل كبير واحد عملا
- ثم اقتضت إنها تبدو معدّدة
- في كثرة باختصار مرأة رجلا
- ولا تعدّد فيها عند عارفها
- لأنها حضرة فيها لقد نزلا
- أعني به الغيب غيب الذات وهو هنا
- محض الوجود وجود الحق منتقلا
- وهي انتقالاته بالاعتبار له
- تقلب في شؤون ضمنها جهلا
- الله أكبر عن هذا ومشبهه
- من العلوم وعن عال وما سفلا
- ولكن القول منا كشف رتبته
- لنا برتبة كشف حقق الأملا
- خذما بدا لك من قولي على أدب
- واسمع كلامي فإني أوضح السبلا
- وما اختفى عنك فاكفف عنه قولك في
- سرّ وجهر ولا تجعل به زللا
- ودعه للكامل التحرير يعرفه
- لأنه ما ابتغى عن ربه حولا
- نحل النفوس لها الأجسام أودية
- ومن قلوب الورى كم أسكنت جبلا
- وكم تنقلت الأشجار من ملأ
- وما تعرش ممن جدّ أو هزلا
- يا نحل أوحى إليك الرب فاتخذي
- من الجبال بيوتا واسلكي ذللا
- وكل شيء سبيل الرب خلقته
- إليه في الناس من يمشي به وصلا
- هنالك العلم علم الله يخرج من
- بطونها اختلفت ألوانه عسلا
- بطونها حضرات الحق إذ هي قل
- ظهوره فهو منها لابس حللا
- لأنها هي تقديراته وبها
- يبدي الخلائق والأملاك والرسلا
- مراتب وشؤون فيه أجمعهم
- محققون وأما ليس فيه فلا
المزيد...
العصور الأدبيه