الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> فدوى طوقان >> ليل وقلب >>
قصائدفدوى طوقان
- هو الليل يا قلب ، فانتشر شراعك ، و اعبر خضّم الظلام العميق
- وجذف بأوهامك الراعشات في زورق ما به من رفيق
- وأنك كالليل شيء كبير ..
- بعيد القرار سحيق سحيق
- وفيك كألغازة المبهمات
- أفانين من كل لغز دقيق
- هواجس مختلفات رؤاها
- تهوّم طوراً و طوراً تفيق
- ولليل يا قلب أي امتدادٍ
- يحيط بهذا الوجود العظيم
- سرى و احتوى الكون في عمقه
- فلف ّالبحار ولفّ الأديم
- وكالليل أنت ، حويت وجوداً
- من العاطفات كبيراً جسم
- ففيك السماء ، وفيك الخضمّ، وفيك الجديد ، وفيك القديم !
- وتنتظم الكون في خفقةٍ
- وأنت بجنبي هنا لا تريم !
- و دونك يا قلب هذا الفضاء
- تجوز به السحب العابرة
- مراكب تمخر إثر مراكب
- تدفها قوّة قاهرة
- كأني أرى في شكول السحاب
- نواتيّ أبصارهم حائره
- أضلّوا المنار فهم تائهون
- يغذون في اللجج الكافره
- كذلك أنت ببحر الحياة
- توهان في ظلم سادره
- ورجرجة النجم كم ساجلتك
- بصدر السماء خفوق الحنين
- أبا النجم ما بك من لهفة
- أبا النجم مثلك شوق دفين؟
- أتجهش في قلبه الذكريات
- وتأخذ منه بحبل الوتين؟
- فما باله قلقاً خافقاً يراعي الدجى في سهوم حزين
- لعلّ أليفاً له قد هوى
- وبات كخذنك في الآفلين!
- وأصغ معي في السكون الرياض
- وقد لفّها غسق الغيهب
- طيور توشوش جنح الدجى
- وتكشف عن همّها المختبي
- فهذا الخريف تدبّ خطاه
- ليعصف بالزهر المعجب
- ويخنق ألحان أشواقها
- ويلوي بترجيعها المطرب
- و كيف تغنّي لزهر ذوى
- بروضٍ سليب الحلى مجذب
- وأنت ... وأنت تخاف الخريف
- و تشفق من ريحه العاتيه
- تخاف على زهرات الصبّى
- تبدّدها كفّه القاسيه
- فلا نور يشتاق طل الصباح
- و يوحي بأنغامك الظاميه
- تخاف تزايلك الملهبات
- و تخمد أشواقك الطاغيه ...
- ويفرغ نايك من لحنه
- ويثوى حطاماً بأضلاعه
- وسعت عوالم يا قلب ماجت
- يحم الطيوف وشتّى الصور
- أحاسيس حيرى تهيج وتطغى
- هياج العباب اذا ما غمر
- وأخرى تهبّ ، هبوب النسيم
- تنفّس في جانحيه الزهر
- وتظلم يا قلب حتى كأنك
- ليل بصدري الكظيم اعتكر
- وتشرق حتى إخال الضياء
- بأقطار نفسي منك انتشر
- وتخصب طوراً فكلك حبّ
- يعانق قلب الوجود الرحيب
- تفيض سلاما كأن يد الله مرّت عليك بنفخ رطيب
- تحبّ العدوّ وتحنو عليه
- وخنجره منك دام خضيب
- وطوراً تغيض سوى من رواسب كرهٍ عصيٍ وبغض رهيب
- كأنّ أكفّ الشياطين غلغلن فيك فأنت مخوف جديب . .
- فيا قلب ، يا أحد الأصغرين ، كيف اتسّعت لهذا الوجود
- وكيف احتمالك هذا الزحام ومن خلجاتٍ كثار العديد . .
- تحبّ وتبغض حراً طليقاً
- فلا من سدود ولا من قيود
- تصدّ نداء المحب القريب
- وتهوى نداء العدو البعيد !
- فيا لك أعمى يقود زمامي
- كما شاء فعل اللجوج العنيد !
- هو الليل يا قلب ، فانشر شراعك واعبر خضمّ الظلام العميق
- وجذف بأوهامك الراعشات في زورقٍ ما به من رفيق
المزيد...
العصور الأدبيه