الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> أبوالعلاء المعري >> قد أصبحتْ، ونُعاتُها نُعّاتُها، >>
قصائدأبوالعلاء المعري
- قد أصبحتْ، ونُعاتُها نُعّاتُها،
- وكذلك الدّنيا تَخيبُ سُعاتُها
- كرّارةٌ أحزانُها، ضرّارةٌ
- سُكّانَها، مَرّارَةٌ ساعاتُها
- نامتْ دُعاةُ الدّولتينِ فضاعتا،
- وهي المنيّةُ لا تَخيبُ دُعاتُها
- ذَرْها، وتلك نصيحةٌ معروفةٌ،
- عَظُمتْ منافعُها وقلّ وُعاتُها
- لا تتبعَنّ الغانياتِ مُماشياً،
- إنّ الغَواني جَمّةٌ تَبِعاتُها
- وإذا اطّلعْنَ من المَناظر فالهُدى
- أن لا تَراكَ، الدّهرَ، مُطّلِعاتُها
- واحذَرْ مقالَ النّاسِ: إنّك بينها
- سِرحانُ ضآنٍ حين غاب رعاتُها
- ودَعِ القراءة إنْ ظنَنتَ جَهيرَها،
- ذكرَتْ به الحاجاتِ مستمعاتُها
- فالصوتُ هدرُ الفحل تؤنسُ رِكزَه
- أُلاّفُهُ، فتُجيبُ مُمتَنِعاتُها
- أوْلى من البيض الأوانسِ، بالعُلا،
- قُلُصٌ تجوبُ الليلَ مدّرعاتُها
- جُمِعتْ جسومٌ من غرائزَ أربعٍ،
- وتفرّقتْ من بعدُ مجتَمعاتُها
- وهي النفوسُ، إذا تُمَيِّزُ بينها،
- فأعزُّها في العيشِ مُقتنِعاتُها
- ومتى طرَدْتَ أمورَها بقياسِها،
- فأحقُّها بمَذلّةٍ طَمِعاتُها
- وكأنّ آمالَ الفتى وحتوفَه
- فِئتانِ، تهزأُ منه مُصطَرِعاتُها
- أوقاتُ عاجلةٍ كأنّ مُضيّها
- ومْضُ البُروقِ، خواطفاً لمعاتُها
- ويخالفُ الأيّامَ حُكمٌ واقِعٌ
- فيها، ومثلُ سُبوتها جُمُعاتُها
- كم أُوقدَتْ لشُموعِها صُبْحِيّةٌ
- في الليلِ ثُمَّ أُطفئَتْ شمَعاتُها
- فمتى يُنبَّهُ من رُقادٍ، مُهلِكِ،
- مَن قد أضرّ، بعينهِ، هَجعَاتُها
- وترادفَتْ هذي الجّدوبُ، ولم تلُحْ
- غَرّاءُ، تبغي الرّوضَ منتجِعاتُها
- وكأنّ تسبيحاً هديلُ حمامةٍ،
- في مجدِ ربكَ أُلّفتْ سَجَعَاتُها
- من يغتبِطْ بمعيشةٍ، فأمامَه
- نُوَبٌ، تُطيلُ، عناءَهُ، فجعاتها
- وإذا رجَعتَ إلى النُّهى فذواهب
- الأيامِ، غيرَ مؤمَّلٍ رجَعاتها
- تَهوى السلامةَ والقبورُ مضاجِعٌ
- سلَبت عن اليَقَظات مضطجِعاتها
- دنياكَ مشبهةُ السّرابِ، فلا تَزُلْ
- برزينِ حلمِكَ موشكاً خُدَعاتها
- رَقشاءُ فيها ليلها ونهارها،
- تلكَ الضّئيلةُ، شأنها لسعاتها
- وتَرِثُّ أغراضُ الشبابِ وينطوي
- إبّانُها، فتنيبُ مُرتدعاتها
- ويُنهنِهُ الرجلُ الحصيفُ بسنّه
- أوطارَهُ، فتضيقُ مُتّسِعاتها
- وتقارعت شوس الخطوب فكُشّفت،
- عن مَهلَكِ الحيوانِ، مقترعاتها
- تستعذبُ المهجاتُ وِرْدَ بَقائها،
- فتَلذُّهُ، وتُغِصُّها جُرعاتها
- وتَظَلُّ حباتُ القلوبِ زَرائعاً،
- كالأرض، والصّهواتُ مُزدرعاتها
- إن كان قد عتمَ الظّلامُ، فطالما
- مَتَعَ النهارُ فماوَنَتْ مُتعاتُها
- نُظمتْ قصائدُ من أذى، مَثلاتُها
- أمثالُها، فاتتكَ منتزعاتُها
- وتُعينُ أسبابَ الحياة وينتهي
- أمدٌ لها، فتَخون منقطعاتها
- فاخفِض حديثَك للمحدّثِ جاهداً،
- فذميمةُ الأصواتِ مُرْتفعاتها
- مُهجٌ تخافُ من الرّدى، ولعلّهُ،
- إن جاء، تأمنُ صولةً هلِعاتُها
- أوْ ما تفيقُ، من الغرام، بفاركِ
- مشهورةٍ، مع غيرنا وقعاتها
- نفسٌ تُرَقِّعُ أمرها، حتى إذا
- أجَلٌ توَرّدَ، أُعجِزَتْ رُقعاتُها
- وترى الصلاةَ، على الغويّ، ثقيلةً،
- مثلَ الهِضابِ تؤودُهُ ركعاتها
- وتُضِلُّ أفعالُ الشّرور جناتَها،
- وتفوزُ بالخيراتِ مصطنعاتُها
- ومحاسنُ الدوَل،التي غُرّتْ بها،
- حالتْ، فقبلَ حِسانها شِنعاتُها
- والنارُ، إن قرّبتْ كفَّكَ، مرةً،
- منها، ثنتْ عن قبضِها لذعاتُها
- ولعلّ عكساً، في الليالي، كائنٌ،
- فتعودَ، في الشَّرَقاتِ، متّضِعاتُها
المزيد...
العصور الأدبيه