قصائدمحمود سامي البارودي



سَل الجيزة َ الفيحاءَ عنْ هرَمَى ْ مِصرِ
محمود سامي البارودي



  • سَل الجيزة َ الفيحاءَ عنْ هرَمَى ْ مِصرِ

  • لَعَلَّكَ تَدْرِي غَيْبَ مَا لَمْ تَكُنْ تَدْرِي

  • بِنَاءَانِ رَدَّا صَوْلَة َ الدَّهْرِ عَنْهُمَا

  • ومن عجبٍ أن يَغلِبا صولة َ الدَّهرِ

  • أَقَامَا عَلَى رَغْمِ الْخُطُوبِ لِيَشْهَدَا

  • لبانيهِما بينَ البريَّة ِ بالفَخرِ

  • فكم أممٍ فى الدَّهرِ بادَت ، وأعصرٍ

  • خَلت ، وهُما أعجوبَة ُ العينِ والفكرِ

  • تَلوحُ لآثارِ العُقولِ عَليهِما

  • أساطيرُ لاتَنفكُّ تتلى إلى الحَشرِ

  • رُمُوزٌ لَو اسْتَطْلَعْتَ مَكْنُونَ سِرِّهَا

  • لأبصرتَ مجموعَ الخلائقِ فى سَطرِ

  • فما من بناءٍ كانَ ، أو هوَ كائنٌ

  • يُدَانِيهِمَا عِنْدَ التَأَمُّلِ وَالْخُبْرِ

  • يُقَصِّرُ حُسْناً عَنْهُمَا «صَرْحُ بَابِلٍ»

  • وَيَعْتَرِفُ «الإِيوَانُ» بِالْعَجْزِ وَالْبَهْرِ

  • فلو أنَّ "هاروتَ " انتحَى مَرصديهِما

  • لألقى مَقاليدَ الكَهانة ِ والسِحرِ

  • كَأَنَّهُمَا ثَدْيَانِ فَاضَا بِدِرَّة ٍ

  • منَ النيلِ تروى غُلَّة َ الأرضِ إذ تجرِى

  • وبينَهما " بَلْهيبُ " فى زِى ِّ رابضٍ

  • أَكَبَّ عَلَى الْكَفَّيْنِ مِنْهُ إِلَى الصَّدْرِ

  • يُقَلِّبُ نَحْوَ الشَّرْقِ نَظْرَة َ وَامِقٍ

  • كَأَنَّ لَهُ شَوْقاً إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ

  • مَصانِعُ فيها للعلومِ غوامِضٌ

  • تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ آدَمَ ذُو قَدْر

  • رسا أصلُها ، وامتدَّ فى الجَوِّ فَرعُها

  • فأصبَحَ وكراً للسِماكَينِ والنَسرِ

  • فقُمْ نَغترِف خَمرَ النُّهى مِن دِنانِها

  • ونَجنى بِأيدى الجدِّ رَيحانة َ العُمرِ

  • فَثمَّ علومٌ لم تفَتَّق كِمامُها

  • وثَمَّ رموزٌ وحيُها غامِضُ السِرِّ

  • أقمتُ بِها شَهرا ، فأدرَكتُ كُلَّ ما

  • تَمَنَّيْتُهُ مِنْ نِعْمَة ِ الدَّهْرِ فِي شَهْر

  • نَروحُ ونَغدو كُلَّ يومٍ لنَجتنى

  • أزاهيرَ علمٍ لاتجفُّ معَ الزَّهرِ

  • إذا ما فتحنا قفلَ رمزٍ بَدت لنا

  • مَعَارِيضُ لمْ تُفْتَحْ بِزِيجٍ وَلاَ جَبْرِ

  • فَكَمْ نُكَتٍ كَالسِّحْرِ فِي حَرَكَاتِهِ

  • تُريكَ مدبَّ الرُّوحِ فى مُهجَة ِ الذرِّ

  • سَكِرْنَا بِما أَهْدَتْ لَنَا مِنْ لُبابِها

  • فيا لكَ مِن سكرٍ أتيحَ بلا خَمرِ!

  • وما ساءنى إلاَّ صَنيعُ معاشرٍ

  • أَلَحُّوا عَلَيْهَا بِالْخِيَانَة ِ وَالْغَدْرِ

  • أبادوا بِها شَملَ العُلومِ ، وشَوَّهوا

  • مَحَاسِنَ كَانَتْ زِينَة َ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

  • فَكم سَمَلوا عَيناً بِها تُبصَرُ العُلا

  • وَشَلُّوا يَداً كَانَتْ بِها رَايَة ُ النَّصْرِ

  • تمنَّوا لقاطَ الدُرِّ جَهلاً ، وما درَوا

  • بِأَنَّ حَصَاهَا لاَ يُقَوَّمُ بِالدُرِّ

  • وفَلُّوا لِجمعِ التِبرِ صُمَّ صُخورِها

  • وَأَيْسَرُ مَا فَلُّوهُ أَغْلَى مِنَ التِّبْرِ

  • وَلَكِنَّهُمْ خَابُوا، فَلَمْ يَصِلُوا إِلى

  • مُناهُم ، ولاأبقوا علَيها منَ الخَترِ

  • فَتبًّا لَهُم مِن مَعشرٍ نَزَعَت بِهِم

  • إلى الغى ِّ أخلاقٌ نَبتنَ على غِمرِ

  • ألا قبَّحَ اللهُ الجهالة ، إنَّها

  • عَدوَّة ما شادَتهُ فِينا يدُ الفِكرِ

  • فلَو رَدَّتِ الأيَّامُ مُهجَة َ " هُرمُسٍ "

  • لأعولَ من حزنٍ على نوَبِ الدَهرِ

  • فيا نَسَماتِ الفَجرِ! أدَّى تَحيَّتى

  • إِلى ذَلِكَ الْبُرْجِ الْمُطلِّ عَلى النَّهْرِ

  • ويا لَمعاتِ البرق ! إن جُزتِ بالحِمى

  • فَصُوبِي عَلَيْهَا بِالنِّثَارِ مِنَ الْقَطْرِ

  • عَليها سَلامٍ من فؤادٍ متيَّمٍ

  • بِها، لاَ بِرَبَّاتِ الْقَلائِدِ والشَّذْرِ

  • ولا بَرِحَت فى الدَّهرِ وَهى َ خوالِدٌ

  • خُلودَ الدَّرارى والأَوابدِ مِن شِعرى



أعمال أخرى محمود سامي البارودي



المزيد...

العصور الأدبيه



تجنب هذه الأخطاء عند شراء شقتك