الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمود سامي البارودي >> بقوة ِ العلمِ تقوى شوكة ُ الأممِ >>
قصائدمحمود سامي البارودي
- بقوة ِ العلمِ تقوى شوكة ُ الأممِ
- فَالْحُكْمُ في الدَّهْرِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَلَمِ
- كمْ بينَ ما تلفظُ الأسيافُ منْ علقٍ
- وَبَيْنَ مَا تَنْفُثُ الأَقْلامُ مِنْ حِكَمِ
- لَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ كَانَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمُ
- بِقَطْرَة ٍ مِنْ مِدَادٍ، لاَ بِسَفْكِ دَمِ
- فاعكفْ على َ العلمِ ، تبلغْ شأوَ منزلة ٍ
- في الفضلِ محفوفة ٍ بالعزَّ وَ الكرمِ
- فليسَ يجنى ثمارَ الفوزِ يانعة ً
- منْ جنة ِ العلمِ إلاَّ صادقُ الهممِ
- لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسَاعِي مَا يَبِينُ بِهِ
- سَبْقُ الرِّجَالِ، تَسَاوَى النَّاسُ في الْقِيَمِ
- وَلِلْفَتَى مُهْلَة ٌ فِي الدَّهْرِ، إِنْ ذَهَبَتْ
- أَوْقَاتُهَا عَبَثاً، لَمْ يَخْلُ مِنْ نَدَمِ
- لَوْلاَ مُدَاوَلَة ُ الأَفْكَارِ مَا ظَهَرَتْ
- خَزَائِنُ الأَرْضِ بَيْنَ السَّهْلِ وَالْعَلَمِ
- كمْ أمة ٍ درستْ أشباحها ، وَ سرتْ
- أرواحها بيننا في عالمِ الكلمِ
- فَانْظُرْ إِلَى الْهَرَمَيْنِ الْمَاثِلَيْنِ تَجِدْ
- غَرَائِباً لاَ تَرَاهَا النَّفْسُ فِي الْحُلُمِ
- صرحانِ ، ما دارتِ الأفلاكُ منذُ جرتْ
- على نظيرهما في الشكلِ والعظمِ
- تَضَمَّنَا حِكَماً بَادَتْ مَصَادِرُهَا
- لَكِنَّهَا بَقِيَتْ نَقْشاً عَلَى رَضَمِ
- قومٌ طوتهمْ يدُ الأيامِ ؛ فاتقرضوا
- وَ ذكرهمُ لمْ يزلْ حياً على القدمِ
- فكمْ بها صور كادتْ تخاطبنا
- جهراً بغيرِ لسانٍ ناطقٍ وَ فمِ
- تَتْلُو لِـ«هِرْمِسَ» آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى
- فَضْلٍ عَمِيمٍ، وَمَجْدٍ بَاذِخِ الْقَدَمِ
- آياتُ فخرٍ ، تجلى نورها ؛ فغدتْ
- مَذْكُورَة ً بِلِسَانِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ
- وَ لاحَ بينهما " بلهيبُ " متجهاً
- للشرقِ ، يلحظ مجرى النيلِ من أممِ
- كَأَنَّهُ رَابِضٌ لِلْوَثْبِ، مُنْتَظِرٌ
- فريسة ً ؛ فهوَ يرعاها ، وَ لمْ ينمِ
- رمزٌ يدلُّ على أنَّ العلومَ إذا
- عَمَّتْ بِمِصْرَ نَزَتْ مِنْ وَهْدَة ِ الْعَدَمِ
- فَاسْتَيْقِظُوا يَا بَني الأَوْطَانِ، وانْتَصِبُوا
- للعلمِ ؛ فهوَ مدارُ العدلِ في الأممِ
- وَلاَ تَظُنُّوا نَمَاءَ الْمَالِ، وَانْتَسِبُوا
- فَالْعِلْمُ أَفْضَلُ مَا يَحْوِيهِ ذُو نَسَمِ
- فَرُبَّ ذِي ثَرْوَة ٍ بِالْجَهْلِ مُحْتَقَرٍ
- وَ ربَّ ذي خلة ٍ بالعلمِ محترمِ
- شيدوا المدارسَ ؛ فهي الغرسُ إنْ بسقتْ
- أَفْنَانُهُ أَثْمَرَتْ غَضّاً مِنَ النِّعَمِ
- مَغْنَى عُلُومٍ، تَرَى الأَبْنَاءَ عَاكِفَة ً
- عَلَى الدُّرُوسِ بِهِ، كَالطَّيْرِ في الْحَرَمِ
- مِنْ كُلِّ كَهْلِ الْحِجَا في سِنِّ عَاشِرَة ٍ
- يَكَادُ مَنْطِقُهُ يَنْهَلُّ بِالْحِكَمِ
- كأنها فلكٌ لاحتْ بهِ شهبٌ
- تُغْنِي بِرَوْنَقِهَا عَنْ أَنَجُمِ الظُّلَمِ
- يَجْنُونَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ زَهْرَة ً عَبِقَتْ
- بنفحة ٍ تبعثُ الأرواحَ في الرممِ
- فَكَمْ تَرَى بَيْنَهُمْ مِنْ شَاعِرٍ لَسِنٍ
- أَوْ كَاتِبٍ فَطِنٍ، أَوْ حَاسِبٍ فَهِمِ
- وَ نابغٍ نالَ منْ علمِ الحقوقِ بها
- مَزِيَّة ً أَلْبَسَتْهُ خِلْعَة َ الْحَكَمِ
- وَلُجِّ هَنْدَسَة ٍ تَجْرِي بِحِكْمَتِهِ
- جَدَاوِلُ الْمَاءِ في هَالٍ مِنَ الأَكُمِ
- بَلْ، كَمْ خَطِيبٍ شَفَى نَفْساً بِمَوْعِظَة ٍ
- وَ كمْ طبيبٍ شفى جسماً منَ السقمِ
- مُؤَدَّبُونَ بآدَابِ الْمُلُوكِ، فَلاَ
- تَلْقَى بِهِمْ غَيْرَ عَالِي الْقَدْرِ مُحْتَشِمِ
- قَوْمٌ بِهِمْ تَصْلُحُ الدُّنْيَا إِذَا فَسَدَتْ
- وَيَفْرُقُ الْعَدْلُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْغَنَمِ
- وَ كيفَ يثبتُ ركنُ العدلِ في بلدٍ
- لَمْ يَنْتَصِبْ بَيْنَهَا لِلْعِلْمِ مِنْ عَلَمِ؟
- ما صورَ اللهُ للأبدانِ أفئدة ً
- إِلاَّ لِيَرْفَعَ أَهْلَ الْجِدِّ وَالْفَهَمِ
- وَأَسْعَدُ النَّاسِ مَنْ أَفْضَى إِلَى أَمَدٍ
- في الفضلِ ، وَ امتازَ بالعالي منَ الشيمِ
- لَوْلاَ الْفَضِيلَة ُ لَمْ يَخْلُدْ لِذِي أَدَبٍ
- ذِكْرٌ عَلَى الدَّهْرِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَدَمِ
- فلينظرِ المرءُ فيما قدمتْ يده
- قَبْلَ الْمَعَادِ، فَإِنَّ الْعُمْرَ لَمْ يَدُمِ
المزيد...
العصور الأدبيه