الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمد القيسي >> ماساة الصبي الأعرج >>
قصائدمحمد القيسي
- سيّدتي حين أطلت عليك المشوار
- في إحضار الخضرة والفاكهة من السوق
- لم تسألني عيناك الأسباب
- بل صفعتني نظرتك الشزراء
- لم يخطر في بالك أنّ الأولاد الأشرار
- لاقوني في الدرب
- هزؤا من قدمي العرجاء
- فتعثّرت
- واعتصر الحزن القلب
- سيّدتي ما كنت لأملك دفعا
- سيّدتي يكفيني صفعا .
- ***
- سيّدتي هذا الصبح المغبّر الطالع
- قمّطني في ثوب الأحزان
- صادفت أبي يتسوّل في الشارع
- أخبرني أنّ شقيقتي الكبرى تضع الآن
- و شقيقتي الكبرى أرملة من أيام
- فتذّكرت البيت الخاوي من أيّ طعام
- ما عادت تغسل أمي للجيران
- ما عادت تحضر معها بعض الفضلات
- حين صرخت أبي فرّت من عينيه الدمعات
- وأسودّ العالم في نظري
- ماتت كلّ الكلمات
- وبكينا فوق رصيف الشارع
- سيّدتي لست بكذّاب
- لكّني منحوس الطالع
- توصد في وجهي الأبواب
- حتى بابك يا سيّدتي
- ***
- سيّدتي عفوك إني جائع
- ما كنت لأقصد بابك هذي الأمسية
- كنت وحيدا في الشارع
- قالت أمي ما أفطرنا بعد ,
- والوقت مساء
- عزّ على نفسي أن تسأل عطف الناس عطاء
- فوجدت يدي تطرق بابك
- سيّدتي أنا فقراء
- سيّدتي باع أبي فرشته الصوف
- وربابته المحفوظة من عهد صباه
- ثمنا لحليب حفيده
- فلقد ماتت يا سيّدتي الأم
- إثر نزيف
- دام طويلا , عذّبها , عذّبها
- ما استطعنا أن نحضر أيّ طبيب يبعد عنها الداء
- سيّدتي نحن أناس فقراء
- ماتت يا سيّدتي وأبي صامت
- كان يفكّر في حزن , يتساءل , ولماذا ماتت ؟
- قالت أمي : تلك مشيئته العليا
- ردّ أبي في ثورة
- صكتا , صمتا
- أيّة عليا يا مخلوقة
- بنتك ماتت جوعا
- ماذا قدّمت لها حين ولادتها غير الخبز الناشف ؟
- والمرق الساخن والعدس المجروش ؟
- ماذا قدّمت لها غير الأحزان ؟!
- وبكت أمي في صمت مجنون أخرس
- سيّدتي جئت إليك الآن
- أسألك الرحمة سيّدتي باسم الإنسان
- ***
- سيّدتي هذا اليوم السابع
- ووعودك لم تزهر يا سيّدتي
- ما زالت تسّاقط أمطارا , وتمّنيني بالصبر
- وأنا ما زلت ألفّ دروب التيه , أنا ما زلت الضائع
- لم ترو الأمطار غليل الظامىء
- فيلوذ بظلّ الخيبة سيّدتي , لا يدرك ما هو صانع .
- سيّدتي درت كثيرا في الطرقات
- وبحثت عن اللقمة سيّدتي فعملت بإحدى الحانات
- أجلي الكاسات
- وأنظّف أرض الصالة بعد خروج السادات
- سيّدتي لكنّ الأيام السوداء
- تأبى إلاّ أن تستكمل أبعاد المأساة
- ذات مساء
- وأنا أعمل والصالة رقص وغناء
- إنشقّ الماء
- عن شبح لصبيّ يتسوّل بين الناس
- أحسست بأني وحدي المقرور
- في قبضة هذا الليل المسعور
- فارتجفت أوصالي
- وتذكّرت أبي ,
- أمي ,
- أختي ,
- فاضت عيناي بأحزاني
- غامت كلّ الأشياء
- وتهاوت من بين يديّ الكأس
- كسرت ,
- وصفعت , طردت , وعادت تحضنني الطرقات
- لم أحزن يا سيّدتي لكن ,
- ما زال يرنّ بأسماعي صوت حاقد
- أخرج , أخرج
- سيّدتي ما ذنبي في أنّي أعرج ؟
- من حقّي سيّدتي أن أحيا .
المزيد...
العصور الأدبيه