الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> لكل امرىء من دهره ما تعودا >>
قصائدالمتنبي
لكل امرىء من دهره ما تعودا
المتنبي
- لكل امرىءٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا
- وعادَةُ سيفِ الدّوْلةِ الطعنُ في العدى
- وَإنْ يُكذِبَ الإرْجافَ عنهُ بضِدّهِ
- وَيُمْسِي بمَا تَنوي أعاديهِ أسْعَدَا
- وَرُبّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفْسَهُ
- وَهادٍ إلَيهِ الجيشَ أهدى وما هَدى
- وَمُستَكْبِرٍ لم يَعرِفِ الله ساعَةً
- رَأى سَيْفَهُ في كَفّهِ فتَشَهّدَا
- هُوَ البَحْرُ غُصْ فيهِ إذا كانَ ساكناً
- على الدُّرّ وَاحذَرْهُ إذا كان مُزْبِدَا
- فإنّي رَأيتُ البحرَ يَعثُرُ بالفتى
- وَهذا الذي يأتي الفتى مُتَعَمِّدَا
- تَظَلّ مُلُوكُ الأرْض خاشعَةً لَهُ
- تُفارِقُهُ هَلْكَى وَتَلقاهُ سُجّدَا
- وَتُحْيي لَهُ المَالَ الصّوَارِمُ وَالقَنَا
- وَيَقْتُلُ ما تحيي التّبَسّمُ وَالجَدَا
- ذَكِيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَيْنِهِ
- يَرَى قَلبُهُ في يَوْمِهِ ما ترَى غَدَا
- وَصُولٌ إلى المُسْتَصْعَباتِ بخَيْلِهِ
- فلَوْ كانَ قَرْنُ الشّمسِ ماءً لأوْرَدَا
- لذلك سَمّى ابنُ الدُّمُستُقِ يَوْمَهُ
- مَمَاتاً وَسَمّاهُ الدُّمُستُقُ موْلِدَا
- سَرَيْتَ إلى جَيحانَ من أرْضِ آمِدٍ
- ثَلاثاً، لقد أدناكَ رَكضٌ وَأبْعَدَا
- فَوَلّى وَأعطاكَ ابْنَهُ وَجُيُوشَهُ
- جَميعاً وَلم يُعطِ الجَميعَ ليُحْمَدَا
- عَرَضْتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرْفِهِ
- وَأبصَرَ سَيفَ الله منكَ مُجَرَّدَا
- وَما طَلَبَتْ زُرْقُ الأسِنّةِ غَيرَهُ
- وَلكِنّ قُسطَنطينَ كانَ لَهُ الفِدَى
- فأصْبَحَ يَجْتابُ المُسوحَ مَخَافَةً
- وَقد كانَ يجتابُ الدِّلاصَ المُسرَّدَا
- وَيَمْشِي بهِ العُكّازُ في الدّيرِ تائِباً
- وَما كانَ يَرْضَى مشيَ أشقَرَ أجرَدَا
- وَما تابَ حتى غادَرَ الكَرُّ وَجْهَهُ
- جَريحاً وَخَلّى جَفْنَهُ النّقعُ أرْمَدَا
- فَلَوْ كانَ يُنْجي من عَليٍّ تَرَهُّبٌ
- تَرَهّبَتِ الأمْلاكُ مَثْنَى وَمَوْحَدَا
- وكلُّ امرىءٍ في الشّرْقِ وَالغَرْبِ بعده
- يُعِدّ لَهُ ثَوْباً مِنَ الشَّعْرِ أسْوَدَا
- هَنيئاً لكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ
- وَعِيدٌ لمَنْ سَمّى وَضَحّى وَعَيّدَا
- وَلا زَالَتِ الأعْيادُ لُبْسَكَ بَعْدَهُ
- تُسَلِّمُ مَخرُوقاً وَتُعْطَى مُجدَّدَا
- فَذا اليَوْمُ في الأيّامِ مثلُكَ في الوَرَى
- كمَا كنتَ فيهِمْ أوْحداً كانَ أوْحَدَا
- هوَ الجَدّ حتى تَفْضُلُ العَينُ أُختَهَا
- وَحتى يكونُ اليَوْمُ لليَوْمِ سَيّدَا
- فَيَا عَجَباً مِنْ دائِلٍ أنْتَ سَيفُهُ
- أمَا يَتَوَقّى شَفْرَتَيْ مَا تَقَلّدَا
- ومَنْ يَجعَلِ الضِّرْغامَ للصّيْدِ بازَهُ
- تَصَيّدَهُ الضّرْغامُ فيما تَصَيّدَا
- رَأيتُكَ محْضَ الحِلْمِ في محْضِ قُدرَةٍ
- وَلوْ شئتَ كانَ الحِلمُ منكَ المُهنّدَا
- وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ
- وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا
- إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ
- وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا
- وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى
- مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى
- وَلكنْ تَفُوقُ النّاسَ رَأياً وَحِكمةً
- كما فُقتَهمْ حالاً وَنَفساً وَمحْتِدَا
- يَدِقّ على الأفكارِ ما أنْتَ فاعِلٌ
- فيُترَكُ ما يخفَى وَيُؤخَذُ ما بَدَا
- أزِلْ حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بكَبتِهمْ
- فأنتَ الذي صَيّرْتَهُمْ ليَ حُسّدَا
- إذا شَدّ زَنْدي حُسنُ رَأيكَ فيهِمُ
- ضرَبْتُ بسَيفٍ يَقطَعُ الهَامَ مُغمَدَا
- وَمَا أنَا إلاّ سَمْهَرِيٌّ حَمَلْتَهُ
- فزَيّنَ مَعْرُوضاً وَرَاعَ مُسَدَّدَا
- وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي
- إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا
- فَسَارَ بهِ مَنْ لا يَسيرُ مُشَمِّراً
- وَغَنّى بهِ مَنْ لا يُغَنّي مُغَرِّدَا
- أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا
- بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
- وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني
- أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى
- تَرَكْتُ السُّرَى خَلفي لمَنْ قَلّ مالُه
- وَأنعَلْتُ أفراسي بنُعْماكَ عَسجَدَا
- وَقَيّدْتُ نَفْسِي في ذَرَاكَ مَحَبّةً
- وَمَنْ وَجَدَ الإحْسانَ قَيْداً تَقَيّدَا
- إذا سَألَ الإنْسَانُ أيّامَهُ الغِنى
- وَكنتَ على بُعْدٍ جَعَلْنَكَ موْعِدَا
المزيد...
العصور الأدبيه