الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> كفى بك داء أن ترى الموت شافيا >>
قصائدالمتنبي
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
المتنبي
- كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا
- وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا
- تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَى
- صَديقاً فأعْيَا أوْ عَدُواً مُداجِيَا
- إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ
- فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا
- وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ
- وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا
- فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى
- وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا
- حَبَبْتُكَ قَلْبي قَبلَ حُبّكَ من نأى
- وَقد كانَ غَدّاراً فكُنْ أنتَ وَافِيَا
- وَأعْلَمُ أنّ البَينَ يُشكيكَ بَعْدَهُ
- فَلَسْتَ فُؤادي إنْ رَأيْتُكَ شَاكِيَا
- فإنّ دُمُوعَ العَينِ غُدْرٌ بِرَبّهَا
- إذا كُنّ إثْرَ الغَادِرِين جَوَارِيَا
- إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصاً من الأذَى
- فَلا الحَمدُ مكسوباً وَلا المالُ باقِيَا
- وَللنّفْسِ أخْلاقٌ تَدُلّ على الفَتى
- أكانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا
- أقِلَّ اشتِياقاً أيّهَا القَلْبُ رُبّمَا
- رَأيْتُكَ تُصْفي الوُدّ من ليسَ صافيَا
- خُلِقْتُ ألُوفاً لَوْ رَجعتُ إلى الصّبَى
- لَفارَقتُ شَيبي مُوجَعَ القلبِ باكِيَا
- وَلَكِنّ بالفُسْطاطِ بَحْراً أزَرْتُهُ
- حَيَاتي وَنُصْحي وَالهَوَى وَالقَوَافِيَا
- وَجُرْداً مَدَدْنَا بَينَ آذانِهَا القَنَا
- فَبِتْنَ خِفَافاً يَتّبِعْنَ العَوَالِيَا
- تَمَاشَى بأيْدٍ كُلّمَا وَافَتِ الصَّفَا
- نَقَشْنَ بهِ صَدرَ البُزَاةِ حَوَافِيَا
- وَتَنظُرُ من سُودٍ صَوَادِقَ في الدجى
- يَرَينَ بَعيداتِ الشّخُوصِ كما هِيَا
- وَتَنْصِبُ للجَرْسِ الخَفِيِّ سَوَامِعاً
- يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضّمِير تَنَادِيَا
- تُجاذِبُ فُرْسانَ الصّباحِ أعِنّةً
- كأنّ على الأعناقِ منْهَا أفَاعِيَا
- بعَزْمٍ يَسيرُ الجِسْمُ في السرْجِ راكباً
- بهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجسْمِ ماشِيَا
- قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ
- وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا
- فَجاءَتْ بِنَا إنْسانَ عَينِ زَمانِهِ
- وَخَلّتْ بَيَاضاً خَلْفَهَا وَمَآقِيَا
- تجُوزُ عَلَيهَا المُحْسِنِينَ إلى الّذي
- نَرَى عِندَهُمْ إحسانَهُ وَالأيادِيَا
- فَتىً ما سَرَيْنَا في ظُهُورِ جُدودِنَا
- إلى عَصْرِهِ إلاّ نُرَجّي التّلاقِيَا
- تَرَفّعَ عَنْ عُونِ المَكَارِمِ قَدْرُهُ
- فَمَا يَفعَلُ الفَعْلاتِ إلاّ عَذارِيَا
- يُبِيدُ عَدَاوَاتِ البُغَاةِ بلُطْفِهِ
- فإنْ لم تَبِدْ منهُمْ أبَادَ الأعَادِيَا
- أبا المِسكِ ذا الوَجْهُ الذي كنتُ تائِقاً
- إلَيْهِ وَذا اليَوْمُ الذي كنتُ رَاجِيَا
- لَقِيتُ المَرَوْرَى وَالشّنَاخيبَ دُونَهُ
- وَجُبْتُ هَجيراً يَترُكُ المَاءَ صَادِيَا
- أبَا كُلّ طِيبٍ لا أبَا المِسْكِ وَحدَه
- وَكلَّ سَحابٍ لا أخُصّ الغَوَادِيَا
- يُدِلّ بمَعنىً وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ
- وَقد جَمَعَ الرّحْم?نُ فيكَ المَعَانِيَا
- إذا كَسَبَ النّاسُ المَعَاليَ بالنّدَى
- فإنّكَ تُعطي في نَداكَ المَعَالِيَا
- وَغَيرُ كَثِيرٍ أنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ
- فَيَرْجعَ مَلْكاً للعِرَاقَينِ وَالِيَا
- فَقَدْ تَهَبُ الجَيشَ الذي جاءَ غازِياً
- لِسائِلِكَ الفَرْدِ الذي جاءَ عَافِيَا
- وَتَحْتَقِرُ الدّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ
- يَرَى كلّ ما فيهَا وَحاشاكَ فَانِيَا
- وَمَا كُنتَ ممّن أدرَكَ المُلْكَ بالمُنى
- وَلَكِنْ بأيّامٍ أشَبْنَ النّوَاصِيَا
- عِداكَ تَرَاهَا في البِلادِ مَساعِياً
- وَأنْتَ تَرَاهَا في السّمَاءِ مَرَاقِيَا
- لَبِسْتَ لهَا كُدْرَ العَجاجِ كأنّمَا
- تَرَى غيرَ صافٍ أن ترَى الجوّ صَافِيَا
- وَقُدتَ إلَيْها كلّ أجرَدَ سَابِحٍ
- يؤدّيكَ غَضْبَاناً وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا
- وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطيعُكَ آمِراً
- وَيَعصِي إذا استثنَيتَ أوْ صرْتَ ناهِيَا
- وَأسْمَرَ ذي عِشرِينَ تَرْضَاه وَارِداً
- وَيَرْضَاكَ في إيرادِهِ الخيلَ ساقِيَا
- كَتائِبَ ما انفَكّتْ تجُوسُ عَمائِراً
- من الأرْضِ قد جاسَتْ إلَيها فيافِيَا
- غَزَوْتَ بها دُورَ المُلُوكِ فَباشَرَتْ
- سَنَابِكُها هَامَاتِهِمْ وَالمَغانِيَا
- وَأنْتَ الذي تَغْشَى الأسِنّةَ أوّلاً
- وَتَأنَفُ أنْ تَغْشَى الأسِنّةَ ثَانِيَا
- إذا الهِنْدُ سَوّتْ بَينَ سَيفيْ كَرِيهَةٍ
- فسَيفُكَ في كَفٍّ تُزيلُ التّساوِيَا
- وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ
- فِدَى ابنِ أخي نَسلي وَنَفسي وَمالِيَا
- مَدًى بَلّغَ الأستاذَ أقصَاهُ رَبُّهُ
- وَنَفْسٌ لَهُ لم تَرْضَ إلاّ التّنَاهِيَا
- دَعَتْهُ فَلَبّاهَا إلى المَجْدِ وَالعُلَى
- وَقد خالَفَ النّاسُ النّفوسَ الدّوَاعيَا
- فأصْبَحَ فَوْقَ العالَمِينَ يَرَوْنَهُ
- وَإنْ كانَ يُدْنِيهِ التّكَرُّمُ نَائِيَا
المزيد...
العصور الأدبيه