الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> ضروب الناس عشاق ضروبا >>
قصائدالمتنبي
ضروب الناس عشاق ضروبا
المتنبي
- ضُرُوبُ النّاسِ عُشّاقٌ ضُرُوبَا
- فأعذَرُهُمْ أشَفُّهُمُ حَبِيبَا
- وما سَكَني سِوَى قَتْلِ الأعادي
- فهَلْ من زَوْرَةٍ تَشفي القُلوبَا
- تَظَلّ الطّيرُ منها في حَديثٍ
- تَرُدّ بهِ الصّراصِرَ والنّعيبَا
- وقد لَبِسَتْ دِماءَهُمُ عَلَيْهِمْ
- حِداداً لم تَشُقّ لَهُ جُيُوبَا
- أدَمْنا طَعْنَهُمْ والقَتْلَ حتى
- خَلَطْنا في عِظامِهِمِ الكُعُوبَا
- كأنّ خُيولَنا كانَتْ قَديماً
- تُسَقّى في قُحُوفِهِمِ الحَليبَا
- فَمَرّتْ غَيرَ نافِرَةٍ عَلَيْهِمْ
- تَدوسُ بنا الجَماجِمَ والتّريبَا
- يُقَدّمُها وقد خُضِبَتْ شَواهَا
- فَتًى تَرْمي الحُرُوبُ بهِ الحُرُوبَا
- شَديدُ الخُنْزُوانَةِ لا يُبَالي
- أصابَ إذا تَنَمّرَ أمْ أُصِيبَا
- أعَزْمي طالَ هذا اللّيلُ فانْظُرْ
- أمِنْكَ الصّبْحُ يَفْرَقُ أنْ يَؤوبَا
- كأنّ الفَجْرَ حِبٌّ مُسْتَزارٌ
- يُراعي مِنْ دُجُنّتِهِ رَقِيبَا
- كأن نُجُومَهُ حَلْيٌ عَلَيْهِ
- وقد حُذيَتْ قَوائِمُهُ الجَبُوبَا
- كأنّ الجَوّ قاسَى ما أُقاسِي
- فصارَ سَوادُهُ فيهِ شُحُوبَا
- كأنّ دُجاهُ يَجْذِبُها سُهادي
- فَلَيسَ تَغيبُ إلاّ أنْ يَغيبَا
- أُقَلّبُ فيهِ أجْفاني كأنّي
- أعُدّ بهِ على الدّهرِ الذّنُوبَا
- وما لَيْلٌ بأطْوَلَ مِنْ نَهارٍ
- يَظَلّ بلَحظِ حُسّادي مَشُوبَا
- وما مَوْتٌ بأبْغَضَ مِنْ حَياةٍ
- أرَى لَهُمُ مَعي فيها نَصيبَا
- عَرَفْتُ نَوائِبَ الحَدَثانِ حتى
- لَوِ انْتَسَبَتْ لكُنتُ لهَا نَقيبَا
- ولمّا قَلّتِ الإبْلُ امْتَطَيْنَا
- إلى ابنِ أبي سُلَيْمانَ الخُطُوبَا
- مَطايا لا تَذِلّ لمَنْ عَلَيْهَا
- ولا يَبغي لهَا أحَدٌ رُكُوبَا
- وتَرْتَعُ دونَ نَبْتِ الأرْضِ فينا
- فَما فارَقْتُها إلاّ جَدِيبَا
- إلى ذي شِيمَةٍ شَغَفَتْ فُؤادي
- فلَوْلاهُ لقُلْتُ بها النّسيبَا
- تُنازِعُني هَواها كلُّ نَفْسٍ
- وإنْ لم تُشْبِهِ الرّشَأ الرّبِيبَا
- عَجيبٌ في الزّمانِ وما عَجيبٌ
- أتَى مِنْ آلِ سَيّارٍ عَجيبَا
- وشَيْخٌ في الشّبابِ ولَيس شَيخاً
- يُسَمّى كلُّ مَن بَلَغَ المَشيبَا
- قَسَا فالأُسْدُ تَفْزَعُ مِن يَدَيْهِ
- وَرَقّ فنَحنُ نَفزَعُ أن يَذوبَا
- أشَدُّ منَ الرّياحِ الهُوجِ بَطشاً
- وأسرَعُ في النّدى منها هُبُوبَا
- وقالوا ذاكَ أرْمَى مَنْ رَأيْنَا
- فقُلْتُ رَأيْتُمُ الغَرَضَ القَريبَا
- وهَلْ يُخْطي بأسْهُمِهِ الرّمَايَا
- وما يُخْطي بما ظَنّ الغُيُوبَا
- إذا نُكِبَتْ كَنائِنُهُ اسْتَبَنّا
- بأنْصُلِها لأنْصُلِها نُدُوبَا
- يُصيبُ ببَعْضِها أفواقَ بَعضٍ
- فلَوْلا الكَسرُ لاتّصَلَتْ قَضِيبَا
- بكُلّ مُقَوَّمٍ لم يَعْصِ أمْراً
- لَهُ حتى ظَنَنّاهُ لَبِيبَا
- يُريكَ النَّزْعُ بَينَ القَوْسِ منْهُ
- وبَينَ رَمِيّهِ الهَدَفَ اللّهِيبَا
- ألَستَ ابنَ الأُلى سَعِدوا وسادوا
- ولم يَلِدوا امرَأً إلاّ نَجِيبَا
- ونالُوا ما اشْتَهَوْا بالحَزْمِ هَوْناً
- وصادَ الوَحشَ نَملُهُمُ دَبِيبَا
- وما ريحُ الرّياضِ لهَا ولَكِنْ
- كَساها دَفنُهُمْ في التُّرْبِ طِيبَا
- أيَا مَنْ عادَ رُوحُ المَجْدِ فيهِ
- وصارَ زَمانُهُ البالي قَشيبَا
- تَيَمّمَني وكيلُكَ مادِحاً لي
- وأنْشَدَني مِنَ الشّعرِ الغَريبَا
- فآجَرَكَ الإل?هُ على عَليلٍ
- بَعَثْتَ إلى المَسيحِ بهِ طَبِيبَا
- ولَسْتُ بمُنكِرٍ مِنْكَ الهَدايَا
- ولَكِنْ زِدْتَني فيها أدِيبَا
- فلا زالَتْ دِيارُكَ مُشرِقاتٍ
- ولا دانَيتَ يا شَمسُ الغُرُوبَا
- لأُصْبِحَ آمِناً فيكَ الرّزايا
- كمَا أنَا آمِنٌ فيكَ العُيُوبَا
المزيد...
العصور الأدبيه