الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا >>
قصائدالمتنبي
حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا
المتنبي
- حُشاشةُ نَفسٍ وَدّعتْ يوْمَ وَدّعوا
- فَلَمْ أدرِ أيّ الظّاعِنَينِ أُشَيِّعُ
- أشاروا بتَسْليمٍ فَجُدْنَا بأنْفُسٍ
- تَسيلُ مِنَ الآماقِ وَالسَّمُّ أدْمُعُ
- حَشَايَ على جَمْرٍ ذَكيٍّ مِنَ الهَوَى
- وَعَيْنايَ في رَوْضٍ من الحسنِ تَرْتَعُ
- وَلَوْ حُمّلَتْ صُمُّ الجِبالِ الذي بِنَا
- غداةَ افترَقْنا أوْشكَتْ تَتَصَدّعُ
- بمَا بينَ جَنبيّ التي خاضَ طيْفُهَا
- إليّ الدّياجي وَالخَلِيّونَ هُجّعُ
- أتَتْ زائِراً ما خامَرَ الطّيبُ ثَوْبَها
- وكالمِسْكِ مِن أرْدانِها يَتَضَوّعُ
- فما جلَسَتْ حتى انثَنَتْ توسعُ الخُطى
- كَفاطِمَةٍ عن دَرّها قَبلَ تُرْضِعُ
- فَشَرّدَ إعظامي لَها ما أتَى بهَا
- مِنَ النّوْمِ والْتَاعَ الفُؤادُ المُفَجَّعُ
- فَيَا لَيْلَةً ما كانَ أطْوَلَ بِتُّهَا
- وَسُمُّ الأفاعي عَذْبُ ما أتَجَرّعُ
- تذلّلْ لها وَاخضَعْ على القرْبِ والنّوَى
- فَما عاشِقٌ مَن لا يَذِلّ وَيَخْضَعُ
- وَلا ثَوْبُ مَجدٍ غيرَ ثوبِ ابنِ أحمدٍ
- عَلى أحَدٍ إلاّ بلُؤمٍ مُرَقَّعُ
- وَإنّ الذي حابَى جَديلَةَ طَيِّىءٍ
- بهِ الله يُعطي مَنْ يَشاءُ وَيَمْنَعُ
- بذي كَرَمٍ مَا مَرّ يَوْمٌ وشَمْسُهُ
- على رَأسِ أوْفى ذِمّةً منه تَطْلُعُ
- فأرْحامُ شِعْرٍ يتّصِلْنَ لَدُنّهُ
- وَأرْحامُ مالٍ ما تَني تتقطّعُ
- فتًى ألْفُ جُزْءٍ رَأيُهُ في زَمَانِهِ
- أقلُّ جُزَيْءٍ بعضُهُ الرّأيُ أجمَعُ
- غَمامٌ عَلَيْنا مُمْطِرٌ لَيْسَ يُقشِعُ
- وَلا البَرْقُ فيهِ خُلَّباً حينَ يَلْمَعُ
- إذا عُرِضَتْ حَاجٌ إلَيْهِ فَنَفْسُهُ
- إلى نَفْسِهِ فِيها شَفيعٌ مُشَفَّعُ
- خَبَتْ نارُ حَرْبٍ لم تَهِجْها بَنانُهُ
- وَأسْمَرُ عُرْيانٌ مِنَ القِشرِ أصْلَعُ
- نَحيفُ الشَّوَى يَعدو على أُمّ رَأسِهِ
- وَيحفى فيَقوَى عَدْوُهُ حينَ يُقطَعُ
- يَمُجُّ ظَلاماً في نَهارٍ لِسانُهُ
- وَيُفْهِمُ عمّن قالَ ما ليسَ يُسمَعُ
- ذُبابُ حُسامٍ منهُ أنجَى ضَرِيبَةً
- وَأعْصَى لمَوْلاهُ وذا منهُ أطْوَعُ
- فَصيحٌ متى يَنطِقْ تجدْ كلّ لَفظَةٍ
- أُصُولَ البَرَاعاتِ التي تَتَفَرّعُ
- بكَفّ جَوَادٍ لَوْ حَكَتْها سَحابَةٌ
- لما فاتها في الشّرْقِ والغَرْبِ موْضِعُ
- ولَيسَ كبَحرِ الماءِ يَشتَقُّ قعرَهُ
- إلى حَيثُ يَفنى الماءُ حوتٌ وَضِفدعُ
- أبَحْرٌ يَضُرّ المُعْتَفينَ وطَعْمُهُ
- زُعاقٌ كبَحرٍ لا يَضُرّ وَيَنْفَعُ
- يَتيهُ الدّقيقُ الفِكْرِ في بُعدِ غَوْرِهِ
- وَيَغْرَقُ في تَيّارِهِ وَهْوَ مِصْقَعُ
- ألا أيّها القَيْلُ المُقيمُ بمَنْبِجٍ
- وهِمّتُهُ فوقَ السِّماكَينِ تُوضَعُ
- ألَيْسَ عَجيباً أنّ وَصْفَكَ مُعْجِزٌ
- وَأنّ ظُنُوني في مَعاليكَ تَظْلَعُ
- وَأنّكَ في ثَوْبٍ وَصَدْرُكَ فيكُما
- على أنّه من ساحةِ الأرْضِ أوْسَعُ
- وقَلْبُكَ في الدّنْيا ولوْ دَخلَتْ بنَا
- وبالجنّ فيهِ ما درَتْ كيفَ ترْجعُ
- ألا كُلّ سَمْحٍ غيرَكَ اليَوْمَ باطِلٌ
- وكلّ مَديحٍ في سِواكَ مُضَيَّعُ
المزيد...
العصور الأدبيه