الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> حاشى الرقيب فخانته ضمائره >>
قصائدالمتنبي
حاشى الرقيب فخانته ضمائره
المتنبي
- حاشَى الرّقيبَ فَخانَتْهُ ضَمائِرُهُ
- وَغَيّضَ الدّمْعَ فانهَلّتْ بَوادِرُهُ
- وكاتمُ الحُبّ يَوْمَ البَينِ مُنهَتِكٌ
- وصاحبُ الدّمعِ لا تَخفَى سرائرُهُ
- لَوْلا ظِباءُ عَدِيّ ما شُغِفْتُ بهِمْ
- وَلا برَبْرَبِهِمْ لَوْلا جَآذِرُهُ
- من كلّ أحوَرَ في أنْيابِهِ شَنَبٌ
- خَمْرٌ يُخَامِرُها مِسكٌ تُخامِرُهُ
- نُعْجٌ مَحاجِرُهُ دُعْجٌ نَواظِرُهُ
- حُمْرٌ غَفائِرُهُ سُودٌ غَدائرُهُ
- أعَارَني سُقْمَ عَينَيْهِ وَحَمّلَني
- منَ الهَوَى ثِقْلَ ما تَحوي مآزِرُهُ
- يا مَنْ تَحَكّمَ في نَفسي فعَذّبَني
- وَمَنْ فُؤادي على قَتلي يُضافِرُهُ
- بعَوْدَةِ الدّوْلَةِ الغَرّاءِ ثَانِيَةً
- سَلَوْتُ عَنكَ ونامَ اللّيلَ ساهرُهُ
- منْ بَعدِ ما كانَ لَيلي لا صَباحَ لَهُ
- كأنّ أوَّلَ يَوْمِ الحَشْرِ آخِرُهُ
- غابَ الأميرُ فَغابَ الخيرُ عَنْ بَلَدٍ
- كادَتْ لفَقْدِ اسمِهِ تَبكي مَنابِرُهُ
- قدِ اشتَكَتْ وَحشَةَ الأحياءِ أرْبُعُهُ
- وَخَبّرَتْ عَن أسَى المَوْتَى مَقابرُهُ
- حتى إذا عُقِدَتْ فيه القِبابُ لَهُ
- أهَلّ لله بادِيهِ وحاضِرُهُ
- وَجَدّدَتْ فَرَحاً لا الغَمُّ يَطْرُدُهُ
- وَلا الصّبابةُ في قَلْبٍ تُجاوِرُهُ
- إذا خَلَتْ منكَ حمصٌ لا خلتْ أبداً
- فَلا سَقَاها مِنَ الوَسميّ باكِرُهُ
- دَخَلْتَها وشُعاعُ الشّمسِ مُتّقِدٌ
- ونُورُ وَجْهِكَ بينَ الخلْقِ باهرُهُ
- في فَيْلَقٍ مِنْ حَديدٍ لوْ قَذَفتَ بهِ
- صرْفَ الزّمانِ لمَا دارَتْ دَوائِرُهُ
- تَمضِي المَواكبُ والأبصارُ شاخصَةٌ
- منها إلى المَلِكِ المَيْمُونِ طائِرُهُ
- قَدْ حِرْنَ في بَشَرٍ في تاجِهِ قَمَرٌ
- في دِرْعِهِ أسَدٌ تَدْمَى أظافِرُهُ
- حُلْوٍ خَلائِقُهُ شُوسٍ حَقائِقُهُ
- تُحصَى الحَصَى قَبلَ أنْ تُحصَى مآثرُهُ
- تَضيقُ عن جَيشه الدّنيا ولوْ رَحُبتْ
- كصَدْرِهِ لم تَبِنْ فيها عَساكِرُهُ
- إذا تَغَلْغَلَ فكرُ المرءِ في طَرَفٍ
- من مَجْدِهِ غَرِقَتْ فيه خَواطِرُهُ
- تَحْمَى السّيوفُ على أعدائِهِ مَعَهُ
- كأنّهُنّ بَنُوهُ أوْ عَشائِرُهُ
- إذا انْتَضَاها لحرْبٍ لمْ تَدَعْ جَسَداً
- إلاّ وباطِنُهُ للعَينِ ظاهِرُهُ
- فَقَدْ تَيَقّنّ أنّ الحَقّ في يَدِهِ
- وَقَدْ وَثِقْنَ بأنّ الله نَاصِرُهُ
- تَرَكْنَ هَامَ بَني عَوْفٍ وثَعْلَبَةٍ
- على رُؤوسٍ بلا ناسٍ مَغَافِرُهُ
- فخاضَ بالسّيفِ بحرَ المَوْتِ خَلفَهُمُ
- وكانَ منهُ إلى الكَعْبَينِ زاخِرُهُ
- حتى انتهَى الفرَسُ الجاري وما وَقعَتْ
- في الأرضِ من جِيَفِ القتلى حوافرُهُ
- كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ منهُ أسِنّتُهُ
- وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فيها بَواتِرُهُ
- وحائِنٍ لَعِبَتْ شُمُّ الرّماحِ بهِ
- فالعَيشُ هاجِرُهُ والنّسرُ زائِرُهُ
- مَنْ قالَ لَسْتَ بخَيرِ النّاسِ كلِّهِمِ
- فجَهْلُهُ بكَ عندَ النّاسِ عاذرُهُ
- أوْ شَكّ أنّكَ فَرْدٌ في زَمانِهِمِ
- بلا نَظِيرٍ فَفي روحي أُخاطِرُهُ
- يا مَنْ ألُوذُ بِهِ فيمَا أُؤمّلُهُ
- وَمَنْ أعُوذُ بهِ مِمّا أُحاذِرُهُ
- وَمَنْ تَوَهّمْتُ أنّ البَحرَ راحَتُهُ
- جُوداً وأنّ عَطاياها جَواهِرُهُ
- لا يَجْبُرُ النّاسُ عَظْماً أنْتَ كاسِرُهُ
- وَلا يَهيضُونَ عَظْماً أنتَ جابِرُهُ
المزيد...
العصور الأدبيه