الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> تذكرت ما بين العذيب وبارق >>
قصائدالمتنبي
تذكرت ما بين العذيب وبارق
المتنبي
- تَذَكّرْتُ ما بَينَ العُذَيبِ وَبَارِقِ
- مَجَرَّ عَوَالينَا وَمَجْرَى السّوَابِقِ
- وَصُحْبَةَ قَوْمٍ يَذبَحُونَ قَنيصَهُمْ
- بفَضْلَةِ ما قد كَسّرُوا في المَفارِقِ
- وَلَيْلاً تَوَسَّدْنَا الثَّوِيّةَ تَحْتَهُ
- كأنّ ثَرَاهَا عَنْبَرٌ في المَرَافِقِ
- بِلادٌ إذا زارَ الحِسانَ بغَيرِهَا
- حَصَى تُرْبِهَا ثَقّبْنَهُ للمَخانِقِ
- سَقَتْني بهَا القُطْرُبُّليَّ مَليحَةٌ
- على كاذِبٍ منْ وَعدِها ضَوْءُ صَادقِ
- سُهادٌ لأجفانٍ وَشَمْسٌ لِنَاظِرٍ
- وَسُقْمٌ لأبدانٍ وَمِسْكٌ لِناشِقِ
- وَأغْيَدُ يَهْوَى نَفْسَهُ كلُّ عاقِلٍ
- عَفيفٍ وَيَهوَى جسمَهُ كلُّ فاسِقِ
- أدِيبٌ إذا ما جَسّ أوْتَارَ مِزْهَرٍ
- بلا كُلَّ سَمْعٍ عن سِواها بعائِقِ
- يُحَدِّثُ عَمّا بَينَ عادٍ وَبَيْنَهُ
- وَصُدْغاهُ في خَدّيْ غُلامٍ مُراهِقِ
- وَمَا الحُسْنُ في وَجْهِ الفتى شَرَفاً لَهُ
- إذا لم يكُنْ في فِعْلِهِ وَالخَلائِقِ
- وَمَا بَلَدُ الإنْسانِ غَيرُ المُوافِقِ
- وَلا أهْلُهُ الأدْنَوْنَ غَيرُ الأصادِقِ
- وَجائِزَةٌ دَعْوَى المَحَبّةِ وَالهَوَى
- وَإنْ كانَ لا يخفَى كَلامُ المُنافِقِ
- برَأيِ مَنِ انْقادَتْ عُقيلٌ إلى الرّدَى
- وَإشماتِ مَخلُوقٍ وَإسخاطِ خالِقِ
- أرَادوا عَلِيّاً بالذي يُعجِزُ الوَرَى
- وَيُوسِعُ قَتلَ الجحفَلِ المُتَضايِقِ
- فَمَا بَسَطُوا كَفّاً إلى غَيرِ قَاطِعٍ
- وَلا حَمَلُوا رَأساً إلى غَيرِ فَالِقِ
- لَقَد أقدَمُوا لَوْ صادَفُوا غيرَ آخِذٍ
- وَقد هرَبوا لوْ صَادَفوا غيرَ لاحِقِ
- وَلَمَّا كَسَا كَعْباً ثِياباً طَغَوْا بِهَا
- رَمَى كلَّ ثَوْبٍ مِنْ سِنانٍ بخارِقِ
- وَلمّا سَقَى الغَيْثَ الذي كَفَرُوا بِهِ
- سَقَى غَيرَهُ في غَيرِ تلكَ البَوَارِقِ
- وَما يُوجعُ الحِرْمانُ من كَفّ حارِمٍ
- كمَا يُوجعُ الحِرْمانُ من كَفّ رازِقِ
- أتَاهُمْ بهَا حَشْوَ العَجَاجَةِ وَالقَنَا
- سَنَابِكُهَا تحشُو بُطُونَ الحَمالِقِ
- عَوَابِسَ حَلّى يَابِسُ الماءِ حُزْمَها
- فَهُنّ على أوْساطِها كالمَنَاطِقِ
- فَلَيْتَ أبَا الهَيْجا يرَى خَلْفَ تَدْمُرٍ
- طِوَالَ العَوالي في طِوال السَّمالِقِ
- وَسَوْقَ عَليٍّ مِنْ مَعَدٍّ وَغَيرِها
- قَبَائِلَ لا تُعْطي القُفِيَّ لِسَائِقِ
- قُشَيرٌ وَبَلْعَجْلانِ فيها خَفِيّةٌ
- كَرَاءَينِ في ألْفاظِ ألثَغَ نَاطِقِ
- تُخَلّيهِمِ النّسْوانُ غَيرَ فَوَارِكٍ
- وَهُمْ خَلّوُا النّسْوانَ غَيرَ طَوَالِقِ
- يُفَرِّقُ ما بَينَ الكُماةِ وَبَيْنَهَا
- بطَعْنٍ يُسَلّي حَرُّهُ كلَّ عاشِقِ
- أتَى الظُّعْنَ حتى ما تَطيرُ رَشاشَةٌ
- منَ الخَيلِ إلاّ في نُحُورِ العَوَاتِقِ
- بكُلّ فَلاةٍ تُنكِرُ الإنْسَ أرْضُهَا
- ظعائنُ حُمْرُ الحَليِ حمرُ الأيانِقِ
- وَمَلْمُومَةٌ سَيْفِيّةٌ رَبَعِيّةٌ
- تَصيحُ الحَصَى فيها صِياحَ اللّقالِقِ
- بَعيدَةُ أطْرَافِ القَنا مِنْ أُصُولِهِ
- قَريبَةُ بَينَ البَيضِ غُبرُ اليَلامِقِ
- نَهَاهَا وَأغْنَاهَا عَنِ النّهْبِ جُودُه
- فَمَا تَبْتَغي إلاّ حُماةَ الحَقائِقِ
- تَوَهّمَهَا الأعرابُ سَوْرَةَ مُترَفٍ
- تُذَكّرُهُ البَيْداءُ ظِلَّ السُّرادِقِ
- فَذَكّرْتَهُمْ بالمَاءِ ساعَةَ غَبّرَتْ
- سَماوَةُ كَلبٍ في أُنوفِ الحَزَائِقِ
- وكانُوا يَرُوعونَ المُلُوكَ بأنْ بدَوْا
- وَأنْ نَبَتَتْ في المَاءِ نَبْتَ الغَلافِقِ
- فهاجُوكَ أهْدَى في الفَلا من نُجُومه
- وَأبْدَى بُيُوتاً من أداحي النّقانِقِ
- وَأصْبَرَ عَن أمْوَاهِهِ من ضِبابِهِ
- وَآلَفَ منْها مُقْلَةً للوَدائِقِ
- وَكانَ هَديراً مِنْ فُحُولٍ تَرَكتَها
- مُهَلَّبَةَ الأذنابِ خُرْسَ الشّقاشِقِ
- فَما حَرَمُوا بالرّكضِ خَيلَكَ رَاحةً
- وَلَكِنْ كَفَاهَا البَرُّ قَطعَ الشّوَاهقِ
- وَلا شَغَلُوا صُمّ القَنَا بِقُلُوبِهِم
- عنِ الرَّكْزِ لكِنْ عن قلوبِ الدماسقِ
- ألمْ يحذَروا مَسْخَ الذي يَمسَخُ العِدى
- ويجعَلُ أيدي الأُسدِ أيدي الخرانِقِ
- وَقد عايَنُوه في سِواهُمْ وَرُبّمَا
- أرَى مارِقاً في الحَرْبِ مصرَعَ مارِقِ
- تَعَوّدَ أنْ لا تَقْضَمَ الحَبَّ خَيْلُهُ
- إذا الهَامُ لم تَرْفَعْ جُنُوبَ العَلائِقِ
- وَلا تَرِدَ الغُدْرانَ إلاّ وَمَاؤهَا
- منَ الدّمِ كالرّيحَانِ فَوْقَ الشّقائقِ
- لَوَفْدُ نُمَيرٍ كانَ أرْشَدَ منْهُمُ
- وقد طَرَدوا الأظْعانَ طَرْدَ الوَسائقِ
- أعَدّوا رِماحاً مِنْ خُضُوعٍ فطاعَنُوا
- بهَا الجَيشَ حتى رَدّ غَرْبَ الفَيالِقِ
- فَلَمْ أرَ أرْمَى منهُ غَيرَ مُخاتِلٍ
- وَأسرَى إلى الأعداءِ غَيرَ مُسارِقِ
- تُصِيبُ المَجانيقُ العِظامُ بكَفّهِ
- دَقائِقَ قد أعْيَتْ قِسِيَّ البَنَادِقِ
المزيد...
العصور الأدبيه