الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل >>
قصائدالمتنبي
بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل
المتنبي
- بنا منكَ فوْقَ الرّملِ ما بك في الرّملِ
- وهذا الذي يُضْني كذاكَ الذي يُبلي
- كأنّكَ أبصرْتَ الذي بي وخِفْتَهُ
- إذا عشتَ فاخترتَ الحِمامَ على الثُّكلِ
- تركتَ خُدودَ الغانِياتِ وفَوْقَها
- دموعٌ تُذيبُ الحسن في الأعينِ النُّجلِ
- تَبُلّ الثّرَى سوداً منَ المِسكِ وحدَه
- وقد قطرَتْ حُمراً على الشّعَرِ الجَثلِ
- فإنْ تَكُ في قَبرٍ فإنّكَ في الحَشَا
- وإنْ تَكُ طفلاً فالأسَى ليسَ بالطفلِ
- ومِثْلُكَ لا يُبكَى على قَدْرِ سِنّهِ
- ولكِنْ على قدرِ المخيلَةِ والأصْلِ
- ألَستَ منَ القَوْمِ الأُلى مِنْ رِماحِهمْ
- نَداهُم ومِن قتلاهُمُ مُهجةُ البخلِ
- بمَوْلودِهِمْ صَمْتُ اللّسانِ كغَيرِهِ
- ولكِنّ في أعْطافِهِ مَنطِقَ الفضْلِ
- تُسَلّيهِمِ عَلْياؤهُمْ عَن مُصابِهِمْ
- ويَشغَلُهُمْ كسبُ الثّناءِ عن الشغلِ
- أقَلُّ بَلاءً بالرّزايَا مِنَ القَنَا
- وأقْدَمُ بَينَ الجَحْفَلينِ من النَّبْلِ
- عَزاءَكَ سَيفَ الدّولَةِ المُقْتَدَى به
- فإنّكَ نَصْلٌ والشّدائدُ للنّصلِ
- مُقيمٌ مِنَ الهَيجاءِ في كلّ مَنزِلٍ
- كأنّكَ من كلّ الصّوارِمِ في أهلِ
- ولم أرَ أعصَى منكَ للحُزْنِ عَبرَةً
- وأثْبَتَ عَقْلاً والقُلُوبُ بلا عَقلِ
- تَخُونُ المَنايا عَهْدَهُ في سَليلِهِ
- وتَنصُرُهُ بَينَ الفَوارِسِ والرَّجْلِ
- ويَبقَى على مَرّ الحَوادِثِ صَبرُهُ
- ويَبدو كمَا يَبدو الفِرِنْدُ على الصّقلِ
- ومَنْ كانَ ذا نَفسٍ كنَفسِكَ حرّةٍ
- فَفيهِ لها مُغْنٍ وفيها لَهُ مُسلِ
- وما الموْتُ إلاّ سارِقٌ دَقّ شَخْصُهُ
- يَصولُ بلا كَفٍّ ويَسعى بلا رِجْلِ
- يَرُدُّ أبو الشّبلِ الخَميسَ عنِ ابنِهِ
- ويُسْلِمُهُ عِندَ الوِلادَةِ للنّملِ
- بنَفسي وَليدٌ عادَ مِن بَعدِ حَمْلِهِ
- إلى بَطنِ أُمٍّ لا تُطرقُ بالحَمْلِ
- بَدَا ولَهُ وَعْدُ السّحابَةِ بالرِّوَى
- وصَدَّ وفينا غُلّةُ البَلَدِ المَحْلِ
- وقد مَدّتِ الخَيلُ العِتاقُ عُيونَها
- إلى وَقتِ تَبديلِ الرّكابِ من النّعلِ
- ورِيعَ لَهُ جَيشُ العَدوّ وما مشَى
- وجاشتْ له الحرْبُ الضَّروسُ وما تغلي
- أيَفْطِمُهُ التَّوْرابُ قَبلَ فِطامِهِ
- ويأكُلُهُ قبلَ البُلُوغِ إلى الأكلِ
- وقبلَ يرَى من جودِهِ ما رأيتَهُ
- ويَسمَعُ فيهِ ما سمعتَ من العذلِ
- ويَلقَى كمَا تَلقَى من السّلمِ والوَغَى
- ويُمسِي كمَا تُمسِي مَليكاً بلا مِثلِ
- تُوَلّيهِ أوساطَ البِلادِ رِماحُهُ
- وتَمْنَعُهُ أطرافُهُنّ منَ العَزْلِ
- أنَبْكي لمَوتانا على غَيرِ رَغْبَةٍ
- تَفُوتُ مِنَ الدّنْيا ولا مَوْهبٍ جَزْلِ
- إذا ما تأمّلتَ الزّمانَ وصَرْفَهُ
- تيَقّنْتَ أنّ الموْتَ ضرْبٌ من القتلِ
- وما الدّهرُ أهلٌ أنْ تُؤمَّلَ عِندَهُ
- حَياةٌ وأنْ يُشتاقَ فيهِ إلى النّسلِ
المزيد...
العصور الأدبيه