الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> أمن ازديارك في الدجى الرقباء >>
قصائدالمتنبي
أمن ازديارك في الدجى الرقباء
المتنبي
- أمِنَ ازْدِيارَكِ في الدُّجى الرُّقَبَاءُ
- إذْ حَيثُ كنتِ مِنَ الظّلامِ ضِياءُ
- قَلَقُ المَليحَةِ وِهْيَ مِسْكٌ هَتكُها
- ومَسيرُها في اللّيلِ وهيَ ذُكاءُ
- أسَفي على أسَفي الذي دَلّهْتِني
- عَنْ عِلْمِهِ فَبِهِ عَليّ خَفَاءُ
- وَشَكِيّتي فَقْدُ السّقامِ لأنّهُ
- قَدْ كانَ لمّا كانَ لي أعضاءُ
- مَثّلْتِ عَيْنَكِ في حَشايَ جِراحَةً
- فتَشابَها كِلْتاهُما نَجْلاءُ
- نَفَذَتْ عَلَيّ السّابِرِيَّ ورُبّما
- تَنْدَقّ فيهِ الصَّعدَةُ السّمْراءُ
- أنا صَخْرَةُ الوادي إذا ما زُوحمَتْ
- وإذا نَطَقْتُ فإنّني الجَوْزاءُ
- وإذا خَفِيتُ على الغَبيّ فَعَاذِرٌ
- أنْ لا تَراني مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ
- شِيَمُ اللّيالي أنْ تُشكِّكَ ناقَتي
- صَدْري بها أفضَى أمِ البَيداءُ
- فَتَبيتُ تُسْئِدُ مُسْئِداً في نَيّها
- إسْآدَها في المَهْمَهِ الإنْضاءُ
- بَيْني وبَينَ أبي عليٍّ مِثْلُهُ
- شُمُّ الجِبالِ ومِثْلُهنّ رَجاءُ
- وعِقابُ لُبنانٍ وكيفَ بقَطْعِها
- وهُوَ الشّتاءُ وصَيفُهُنّ شِتاءُ
- لَبَسَ الثُّلُوجُ بها عَليّ مَسَالِكي
- فَكَأنّها بِبيَاضِها سَوْداءُ
- وكَذا الكَريمُ إذا أقامَ ببَلْدَةٍ
- سَالَ النُّضارُ بها وقامَ الماءُ
- جَمَدَ القِطارُ ولَوْ رَأتْهُ كمَا تَرَى
- بُهِتَتْ فَلَمْ تَتَبَجّسِ الأنْواءُ
- في خَطّهِ من كلّ قَلبٍ شَهْوَةٌ
- حتى كأنّ مِدادَهُ الأهْواءُ
- ولكُلّ عَيْنٍ قُرّةٌ في قُرْبِهِ
- حتى كأنّ مَغيبَهُ الأقْذاءُ
- مَنْ يَهتَدي في الفِعْلِ ما لا تَهْتَدي
- في القَوْلِ حتى يَفعَلَ الشّعراءُ
- في كلّ يَوْمٍ للقَوافي جَوْلَةٌ
- في قَلْبِهِ ولأُذْنِهِ إصْغَاءُ
- وإغارَةٌ في ما احْتَواهُ كأنّمَا
- في كُلّ بَيْتٍ فَيْلَقٌ شَهْبَاءُ
- مَنْ يَظلِمُ اللّؤماءَ في تَكليفِهِمْ
- أنْ يُصْبِحُوا وَهُمُ لَهُ أكْفاءُ
- ونَذيمُهُمْ وبهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ
- وبِضِدّها تَتَبَيّنُ الأشْياءُ
- مَنْ نَفْعُهُ في أنْ يُهاجَ وضَرُّهُ
- في تَرْكِهِ لَوْ تَفْطَنُ الأعداءُ
- فالسّلمُ يَكسِرُ من جَناحَيْ مالهِ
- بنَوالِهِ ما تَجْبُرُ الهَيْجاءُ
- يُعطي فتُعطَى من لُهَى يدِهِ اللُّهَى
- وتُرَى بِرُؤيَةِ رَأيِهِ الآراءُ
- مُتَفَرّقُ الطّعْمَينِ مُجْتَمعُ القُوَى
- فكأنّهُ السّرّاءُ والضّرّاءُ
- وكأنّهُ ما لا تَشاءُ عُداتُهُ
- مُتَمَثّلاً لوُفُودِهِ ما شَاؤوا
- يا أيّهَا المُجدَى علَيْهِ رُوحُهُ
- إذْ لَيسَ يأتيهِ لها اسْتِجداءُ
- إحْمَدْ عُفاتَكَ لا فُجِعْتَ بفَقدِهم
- فَلَتَرْكُ ما لم يأخُذوا إعْطاءُ
- لا تَكْثُرُ الأمواتُ كَثرَةَ قِلّةٍ
- إلاّ إذا شَقِيَتْ بكَ الأحْياءُ
- والقَلْبُ لا يَنْشَقّ عَمّا تَحْتَهُ
- حتى تَحِلّ بهِ لَكَ الشّحْناءُ
- لمْ تُسْمَ يا هَرُونُ إلاّ بَعدَمَا اقْـ
- ـتَرَعَتْ ونازَعتِ اسمَكَ الأسماءُ
- فغَدَوْتَ واسمُكَ فيكَ غيرُ مُشارِكٍ
- والنّاسُ في ما في يَدَيْكَ سَواءُ
- لَعَمَمْتَ حتى المُدْنُ منكَ مِلاءُ
- ولَفُتَّ حتى ذا الثّناءُ لَفَاءُ
- ولجُدْتَ حتى كِدْتَ تَبخَلُ حائِلاً
- للمُنْتَهَى ومنَ السّرورِ بُكاءُ
- أبْدَأتَ شَيئاً ليسَ يُعرَفُ بَدْؤهُ
- وأعَدْتَ حتى أُنْكِرَ الإبْداءُ
- فالفَخْرُ عَن تَقصِيرِهِ بكَ ناكِبٌ
- والمَجْدُ مِنْ أنْ يُسْتَزادَ بَراءُ
- فإذا سُئِلْتَ فَلا لأنّكَ مُحوِجٌ
- وإذا كُتِمتَ وشَتْ بكَ الآلاءُ
- وإذا مُدِحتَ فلا لتَكسِبَ رِفْعَةً
- للشّاكِرينَ على الإلهِ ثَنَاءُ
- وإذا مُطِرْتَ فَلا لأنّكَ مُجْدِبٌ
- يُسْقَى الخَصِيبُ ويُمْطَرُ الدّأمَاءُ
- لم تَحْكِ نائِلَكَ السّحابُ وإنّما
- حُمّتْ بهِ فَصَبيبُها الرُّحَضاءُ
- لم تَلْقَ هَذا الوَجْهَ شَمسُ نَهارِنَا
- إلاّ بوَجْهٍ لَيسَ فيهِ حَيَاءُ
- فَبِأيّما قَدَمٍ سَعَيْتَ إلى العُلَى
- أُدُمُ الهِلالِ لأخمَصَيكَ حِذاءُ
- ولَكَ الزّمانُ مِنَ الزّمانِ وِقايَةٌ
- ولَكَ الحِمامُ مِنَ الحِمامِ فِداءُ
- لوْ لم تكنْ من ذا الوَرَى اللّذْ منك هُوْ
- عَقِمَتْ بمَوْلِدِ نَسْلِها حَوّاءُ
المزيد...
العصور الأدبيه