الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> المتنبي >> ألا لا أري الأحداث مدحا ولا ذما >>
قصائدالمتنبي
ألا لا أري الأحداث مدحا ولا ذما
المتنبي
- ألا لا أُري الأحداثَ مَدحاً ولا ذَمّا
- فَما بَطشُها جَهلاً ولا كفُّها حِلمَا
- إلى مثلِ ما كانَ الفتى مرْجعُ الفتى
- يَعُودُ كمَا أُبْدي ويُكرِي كما أرْمَى
- لَكِ الله مِنْ مَفْجُوعَةٍ بحَبيبِها
- قَتيلَةِ شَوْقٍ غَيرِ مُلحِقِها وَصْمَا
- أحِنّ إلى الكأسِ التي شرِبَتْ بها
- وأهوى لمَثواها التّرابَ وما ضَمّا
- بَكَيْتُ عَلَيها خِيفَةً في حَياتِها
- وذاقَ كِلانا ثُكْلَ صاحِبِهِ قِدْمَا
- ولوْ قَتَلَ الهَجْرُ المُحبّينَ كُلَّهُمْ
- مضَى بَلَدٌ باقٍ أجَدّتْ لَهُ صَرْمَا
- عرَفْتُ اللّيالي قَبلَ ما صَنَعَتْ بنا
- فلَمَا دَهَتْني لم تَزِدْني بها عِلْمَا
- مَنافِعُها ما ضَرّ في نَفْعِ غَيرِها
- تغذّى وتَرْوَى أن تجوعَ وأن تَظْمَا
- أتاها كِتابي بَعدَ يأسٍ وتَرْحَةٍ
- فَماتَتْ سُرُوراً بي فَمُتُّ بها غَمّا
- حَرامٌ على قَلبي السّرُورُ فإنّني
- أعُدّ الذي ماتَتْ بهِ بَعْدَها سُمّا
- تَعَجَّبُ مِنْ لَفْظي وخَطّي كأنّما
- ترَى بحُرُوفِ السّطرِ أغرِبةً عُصْمَا
- وتَلْثِمُهُ حتى أصارَ مِدادُهُ
- مَحاجِرَ عَيْنَيْها وأنْيابَها سُحْمَا
- رَقَا دَمْعُها الجاري وجَفّتْ جفونها
- وفارَقَ حُبّي قَلبَها بَعدمَا أدمَى
- ولم يُسْلِها إلاّ المَنَايا وإنّمَا
- أشَدُّ منَ السُّقمِ الذي أذهَبَ السُّقْما
- طَلَبْتُ لها حَظّاً فَفاتَتْ وفاتَني
- وقد رَضِيَتْ بي لو رَضيتُ بها قِسْمَا
- فأصْبَحتُ أسْتَسقي الغَمامَ لقَبرِها
- وقد كنْتُ أستَسقي الوَغى والقنا الصُّمّا
- وكنتُ قُبَيلَ الموْتِ أستَعظِمُ النّوَى
- فقد صارَتِ الصّغَرى التي كانتِ العظمى
- هَبيني أخذتُ الثأرَ فيكِ منَ العِدَى
- فكيفَ بأخذِ الثّأرِ فيكِ من الحُمّى
- وما انسَدّتِ الدّنْيا عليّ لضِيقِهَا
- ولكنَّ طَرْفاً لا أراكِ بهِ أعمَى
- فَوَا أسَفا ألاّ أُكِبَّ مُقَبِّلاً
- لرَأسِكِ والصّدْرِ اللّذَيْ مُلِئا حزْمَا
- وألاّ أُلاقي روحَكِ الطّيّبَ الذي
- كأنّ ذكيّ المِسكِ كانَ له جسمَا
- ولَوْ لمْ تَكُوني بِنْتَ أكْرَمِ والِدٍ
- لَكانَ أباكِ الضّخْمَ كونُكِ لي أُمّا
- لَئِنْ لَذّ يَوْمُ الشّامِتِينَ بيَوْمِهَا
- لَقَدْ وَلَدَتْ مني لأنْفِهِمِ رَغْمَا
- تَغَرّبَ لا مُسْتَعْظِماً غَيرَ نَفْسِهِ
- ولا قابِلاً إلاّ لخالِقِهِ حُكْمَا
- ولا سالِكاً إلاّ فُؤادَ عَجاجَةٍ
- ولا واجِداً إلاّ لمَكْرُمَةٍ طَعْمَا
- يَقُولونَ لي ما أنتَ في كلّ بَلدَةٍ
- وما تَبتَغي؟ ما أبتَغي جَلّ أن يُسْمى
- كأنّ بَنيهِمْ عالِمُونَ بِأنَّنِي
- جَلُوبٌ إلَيهِمْ منْ مَعادِنه اليُتْمَا
- وما الجَمْعُ بَينَ الماءِ والنّارِ في يدي
- بأصعَبَ من أنْ أجمَعَ الجَدّ والفَهمَا
- ولكِنّني مُسْتَنْصِرٌ بذُبَابِهِ
- ومُرْتكِبٌ في كلّ حالٍ به الغَشمَا
- وجاعِلُهُ يَوْمَ اللّقاءِ تَحِيّتي
- وإلاّ فلَسْتُ السيّدَ البَطَلَ القَرْمَا
- إذا فَلّ عَزْمي عن مدًى خوْفُ بُعده
- فأبْعَدُ شيءٍ ممكنٌ لم يَجِدْ عزْمَا
- وإنّي لَمِنْ قَوْمٍ كأنّ نُفُوسَهُمْ
- بها أنَفٌ أن تسكنَ اللّحمَ والعَظمَا
- كذا أنَا يا دُنْيا إذا شِئْتِ فاذْهَبي
- ويا نَفسِ زيدي في كرائهِها قُدْمَا
- فلا عَبَرَتْ بي ساعَةٌ لا تُعِزّني
- ولا صَحِبَتْني مُهجَةٌ تقبلُ الظُّلْمَا
المزيد...
العصور الأدبيه