الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> يهون عليها أن أبيت متيما >>
قصائدالبحتري
يهون عليها أن أبيت متيما
البحتري
- يَهُونُ عَلَيْهَا أنْ أبِيتَ مُتَيَّما،
- أُعالجُ وَجْداً في الضّمِيرِ مُكَتَّمَا
- وَقد جاوَزَتْ أرْضَ الأَعادِي وأصْبَحَتْ
- حِمَى وَصْلِها مذ جاوَرَتْ أبرَقَ الحِمَى
- بكَتْ حُرْقَةً، عندَ الوَدَاعِ، وأرْدفتْ
- سُلُوّاً نَهَى الأحْشَاءَ أنْ تَتَضَرّما
- فلَمْ يَبقَ مِنْ مَعْرُوفِها غَيرُ طائِفٍ
- مُلِمٍّ بِنَا، وَهْناً، إذا الرّكبُ هَوّما
- يَكادُ وَمِيضُ البَرْقِ عندَ اعتِرَاضِهِ
- يُضِيىءُ خَيَالاً جَاءَ مِنْهَا مُسَلِّمَا
- وَلمْ أنْسَهَا، عِندَ الوَداعِ، وَنَثرَها
- سَوَابقَ دَمعٍ، أعجَلَتْ أن تُنَظَّمَا
- وَقالتْ: هلِ الفَتحُ بنُ خَاقَانَ مُعقِبٌ
- رِضًى، فيَعُودَ الشّملُ منّا مُلأّمَا؟
- خَليلَيّ! كُفّا اللّوْمَ في فَيْضِ عَبرَةٍ،
- أبَى الوَجْدُ إلاّ أنْ تَفيضَ وَتَسجُمَا
- وَلاَ تَعْجَبَا مِنْ فَجعَةِ البَينِ إنّني
- وَجَدتُ الهَوَى طَعمَينِ: شهداً وَعَلقَمَا
- عَذيرِي مِنَ الأيّامِ رَنّقْنَ مَشْرَبي،
- وَلَقّيتَني نَحْساً منَ الطّيرِ أشْأمَا
- وأكْسَبْنَني سُخطَ امرِىءٍ بتُّ مَوْهِناً
- أرَى سُخطَهُ لَيلاً معَ اللّيلِ مُظلِمَا
- تَبَلّجَ عن بَعضِ الرّضَا، وانطَوَى على
- بَقِيّةِ عَتْبٍ شَارَفَتْ أنْ تَصَرّما
- إِذا قُلْتُ يَوْماً قَدْ تَجاوَزَ حَدَّهَا
- تَلَبَّثَ فِي أَعْقَابِها وتَلَوَّما
- وأصْيَدَ، إنْ نازَعْتُهُ اللّحظَ رَدّهُ
- كَليلاً وإنْ راجَعتُهُ القَوْلَ جَمجَمَا
- ثَناهُ العِدى عَنّي، فأصَبحَ مُعْرِضاً،
- وأوْهَمَهُ الوَاشُونَ حَتّى تَوَهّما
- وَقَد كَانَ سَهلاً واضِحاً، فتَوَعّرَتْ
- رُبَاهُ، وَطَلْقاً ضاحِكاً، فَتَجَهّما
- أمُتّخِذٌ عِندي الإسَاءَةَ مُحسِنٌ،
- وَمُنْتَقِمٌ مِنّي امرُؤٌ كَانَ مُنعِمَا
- وَمُكتَسِبٌ في المَلامَةَ ماجِدٌ،
- يَرَى الحَمدَ غُنْماً، والمَلاَمَةَ مَغرَمَا
- يُخَوّفُني من سُوءِ رأيِكَ مَعشَرٌ،
- وَلاَ خَوْفَ إلاّ أنْ تَجُورَ وَتَظْلِمَا
- أُعِيذُكَ أنْ أخشاكَ من غَيرِ حادِثٍ
- تَبَيّنَ، أوْ جُرْمٍ إلَيكَ تَقَدّما
- ألَسْتُ المُوَالي فيكَ نَظْمَ قَصَائِدٍ،
- هيَ الأنجُمُ اقتَادَتْ معَ اللّيلِ أنجُمَا
- ثَنَاءٌ كأنّ الرّوْضَ مِنْهُ مُنَوِّراً،
- ضُحًى، وكأنّ الوَشيَ فيهِ مُسَهَّمَا
- وَلَوْ أنّني وَقّرْتُ شِعرِي وَقَارَهُ،
- وأجلَلْتُ مَدحي فيكَ أنْ يَتَهَضّمَا
- لأكبَرْتُ أنْ أُوْمي إلَيكَ بإصْبَعٍ
- تَضَرّعَ، أوْ أُدْني لَمَعذِرَةٍ فَمَا
- وَكَانَ الذي يأتي بهِ الدّهرُ هَيّناً
- عَليّ، وَلَوْ كَانَ الحِمَامُ المُقَدَّمَا
- وَلَكِنّني أُعْلي مَحَلّكَ أنْ أُرَى
- مُدِلاًّ، وأستَحيِيكَ أنْ أتَعَظّما
- أعِدْ نَظَراً فيما تَسَخّطتَ هل تَرَى
- مَقَالاً دَنًّيا، أوْ فَعَالاً مُذَمَّمَا
- رأيتُ العِرَاقَ أَنْكَرَتِنْي، وأقسَمَتْ
- عَليّ صُرُوفُ الدّهرِ أنْ أتَشَاءَمَا
- وَكَانَ رَجَائي أنْ أؤوبَ مُمَلَّكاً،
- فَصَارَ رَجَائي أنْ أؤوبَ مُسَلَّمَا
- وَما مانعٌ مِمّا تَوَهّمتُ غَيرَ أنْ
- تَذَكّرَ بَعضَ الأُنْسِ، أو تتَذمّمَا
- وأكبَرُ ظَنّي أنّكَ المَرْءُ لمْ تَكُنْ
- تُحَلّلُ بالظّنّ الذّمامَ المُحَرَّما
- حَيَاءٌ فَلَمْ يَذْهَبْ بي الغَيُّ مَذْهَباً
- بَعيداً، ولم أرْكَبْ من الأمرِ مُعظَمَا
- وَلم أعرِفِ الذّنْبَ الذي سُؤتَني لهُ،
- فأقتُلَ نَفسِي حَسرَةً، وَتَنَدُّما
- وَلَوْ كَانَ ما خُبّرْتُهُ، أو ظَنَنْتُهُ،
- لَمَا كَانَ غَرْواً أنْ ألُومَ وَتُكرِما
- أُذَكّرُكَ العَهْدَ الذي لَيسَ سُؤدَداً
- تَناسِيهِ، والوُدَّ الصّحيحَ المُسَلَّما
- وَمَا حَمّلَ الرّكبانُ شَرْقاً وَمَغرِباً،
- وأنْجَدَ في أعْلَى البِلادِ وأتْهَمَا
- أُقِرُّ بِما لَمْ أجْنِهِ مُتَنَصِّلاً
- إلَيْكَ، على أنّي إخالُكَ ألْوَمَا
- ليَ الذّنْبُ مَعْرُوفاً، وإن كنتُ جاهلاً
- بهِ، وَلَكَ العُتْبَى عَلَيّ وأنْعِمَا
- وَمِثْلُكَ إنْ أبْدَى الفَعَالَ أعادَهُ،
- وإنْ صَنَعَ المَعرُوفَ زَادَ وَتَمّمَا
- وَمَا النّاسُ إلا عُصْبَتَانِ: فَهَذِهِ
- قَرَنْتَ بها بُؤساً، وَهَاتيكَ أنْعُمَا
- وَحِلَّةَ أعْدَاءٍ رَمَيْتَ بِعَزْمَةٍ،
- فأضْرَمْتَها ناراً، وأجْرَيْتَهَا دَمَا
المزيد...
العصور الأدبيه