الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> يا يوم عرج بل وراءك يا غد >>
قصائدالبحتري
يا يوم عرج بل وراءك يا غد
البحتري
- يا يَوْمُ عَرّجْ بَلْ وَرَاءَكَ يا غَدُ،
- قَدْ أجْمَعُوا بَيْناً، وَأنتَ المَوْعِدُ
- ألِفُوا الفِراقَ، كأنّهُ وَطَنٌ لَهُمْ،
- لا يَقْرُبُونَ إلَيْهِ. حتى يَبْعَدُوا
- في كُلّ يَوْمٍ دِمْنَةٌ مِنْ حيهِمْ
- تُقْوِي، وَرَبْعٌ مِنْهُمُ يَتَأبّدُ
- أوَ مَا كَفَانَا أنْ بكَيْنا غُرَّباً
- حتى شَجَانَا، بالمَنَازِلِ، ثَهْمَدُ
- أسْنِدْ صُدُورَ اليَعْمَلاتِ بِوَقْفَةٍ
- في المَاثِلاتِ، كأنّهُنّ المَسْنَدُ
- دِمَنٌ تَقَاضَاهُنّ أعْلان البِلَى،
- هُوجُ الرّياحِ، البادِياتُ، العُوَّدُ
- حتى فَنِينَ، وَمَا البَقَاءُ لواقِفٍ،
- وَالدّهْرُ، في أطْرَافِهِ، يَتَرَدّدُ
- هَلْ مُغرَمٌ يُعطي الهَوَى حَقّ الهوَى
- مِنكُمْ، فيَنفَدُ دَمعُهُ، أوْ مُسعِدُ
- حُيّيت بَلْ سُقّيتِ مِنْ مَعْهُودَةٍ،
- عَهْدي غَدَتْ مَهجُورَةً ما تُعهَدُ
- لو كان سامعة لبحت بلوعتي
- ولقلت ما فعل الحسان الخرد
- وَلَو أنّ غِزْلانَ الكِنَاسِ تُجيبُني،
- لَسَألْتُها أينَ الغَزَالُ الأغْيَدُ
- لا يبعد أبداً وهل تدنيهم
- ياوهب قولك عاشق لا يبعد
- وأخٍ أتَاني عَتْبُهُ، وَكَأنّهُ
- سَيْفٌ، عليّ مَعَ العَدُوّ، مُجَرَّدُ
- تلقى شجاعاً حيث تجتمع العلا
- و محمدأ حيث استنار محمد
- وَيَحُلُّ مِن دون القُلوبِ إذا غَدَا
- مُتَكَرِّماً، وَكَأنّهُ مُتَوَدِّدُ
- يوهي صَفاةَ الخَطبِ، وَهوَ مُلَملَمٌ،
- وَيَهُدُّ رُكْنَ الخَصْمِ، وَهوَ يَلَندَدُ
- سِرٌّ، وَإعْلانٌ تُسَوّى مِنْهُمَا
- نَفْسٌ تُضِيءُ، وَهِمّةٌ تَتَوَقّدُ
- فكَأنّ مَجلِسَهُ المُحَجَّبَ مَحفِلٌ؛
- وَكَأنّ خَلْوَتَهُ الخَفِيّةَ مَشهَدُ
- وَتوَاضُعٌ، لَوْلا التّكَرّمُ عاقَهُ
- عَنْهُ عُلُوٌّ لَمْ يَنَلْهُ الفَرْقَدُ
- وَفُتُوّةٌ جَمَعَ التّقَى أطْرَافَهَا
- وَنَدىً أحاطَ بجَانِبَيْهِ السّؤدَدُ
- وَشَبيبَةٌ، فيها النُّهَى، فإذا بَدَتْ
- لذَوِي التّوَسّمِ، فَهْيَ شَيبٌ أسوَدُ
- خَضِلُ اليَدَينِ إذا تَفرّقَ في النّدى
- جَمَعَ العُلا، فيما يُفيدُ وَيَنْفَدُ
- نَشْوَانُ يَطْرَبُ للسّؤالِ، كأنّمَا
- غَنّاهُ مَالِكُ طَيِّءٍ، أوْ مَعْبَدُ
- جَاءَتْ عِنَايَتُهُ، وَلَمّا أدْعُها،
- بِيَدٍ تَلُوحُ، وَنِعمَةٍ ما تُجحَدُ
- مَا زَالَ يَجلُو ما دَجَا مِنْ همّتي
- بهِمَا، وَيُشعِلُ عَنْهُما ما أُخْمِدُ
- عُذْراً أبَا أيّوبَ، إنّ رَوِيّتي
- تجني الخَطَاءَ، وَإنّ رَأيي مُحْصَدُ
- يا أحمَدُ بنُ مُحَمّدٍ نَضبَ النّدَى
- مِنْ كَفّ كلّ أخي نَدىً، يا أحمَدُ
- أشكُو إلَيكَ أنَامِلاً ما تَنْطَوِي
- يُبْساً، وأخْلافاً تُقَصّفُهَا اليَدُ
- وأنا لَبيدٌ، عِنْدَ آخِرِ دَمْعَةٍ،
- يَصِفُ الصبابة والمَكارِمَ أرْبَدُ
- النّاسُ حَوْلَكَ رَوْضَةٌ مَا تَرْتَقى،
- رَيّا النّبَاتِ، وَمَنْهَلٌ ما يُورَدُ
- جِدَةٌ، وَلا جُودٌ، وَطالبُ بُغيَةٍ
- في الباخِلينَ، وَبُغْيَةٌ ما تُوجَدُ
- تَرَكُوا العُلا، وَهُمُ يرَوْنَ مكانَها،
- وَدَعَا اللُّجَينُ قُلُوبَهُمْ، وَالعَسجدُ
- وَتَماحَكُوا في البُخْلِ، حتى خِلتُهُ
- دِيناً يُدانُ به الإلَهُ، وَيُعْبَدُ
- أُرْضِيهِمِ قَوْلاً، وَلا يُرْضُونَني
- فِعْلاً، وَتِلْكَ قَضِيّةٌ لا تُقْصَدُ
- فأذُمُّ مِنْهُمْ مَا يُذَمُّ، وَرُبّمَا
- سامَحتُهُمْ، فَحَمِدتُ ما لا يُحمَدُ
المزيد...
العصور الأدبيه