الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> وقوفك في أطلالهم وسؤالها >>
قصائدالبحتري
وقوفك في أطلالهم وسؤالها
البحتري
- وُقُوفُكَ في أطْلاَلِهِمْ، وَسُؤالُهَا،
- يُرِيكَ غُرُوبَ الدّمعِ كيفَ انهمالُها
- وَما أعرِفُ الأطْلالَ في جَنبِ تُوضَحٍ
- لطُولِ تَعَفّيها، وَلَكِنْ إخالُها
- أوَدُّ لَها سُقْيَا السّحابِ، وَمَحوَها
- بسُقْيا السّحابِ حينَ يَصْدُقُ خالُهَا
- مَحَلّتَنَا، والعَيْشُ غَضٌّ نَباتُهُ،
- وأفْنِيَةُ الأيّامِ خُضْرٌ ظِلاَلُها
- وَلَيْلَى على العَهْدِ الذي كانَ لمْ تَغُلْ
- نَوَاهَا، وَلا حَالَتْ إلى الصّدّ حالُها
- فَقَدْ أُولِعَتْ بالعَوْقِ، دونَ لقائِها،
- تَنَائِفُ من بَيْدَاءَ يَلْمَعُ آلُهَا
- وَكُنْتُ أُرَجّي وَصْلَها عِندَ هَجرِها،
- فقَدْ بانَ منّي هَجرُها، وَوِصَالُها
- فلا قُرْبَ، إلاّ أنْ يُعَاوِدَ ذِكْرُها،
- وَلاَ وَصْلَ، إلاّ أنْ يُطِيفَ خَيَالُهَا
- بَلَى إنّ في وَخْدِ المَطيّ لبُلْغَةً
- إلَيها، إذا شُدّتْ لشَوْقٍ رِحَالُها
- سَيَحْمِلُ أثقَالي تَبَرُّعُ مُنْعِمٍ
- بأنْعُمِهِ، آدَتْ رِكَابي ثِقَالُها
- وأيْسَرُ مِنْ بَذْلِ الرّغَائِبِ حَملُها
- لمُستَكثِرٍ، أعْيَا عَلَيْهِ احتِمَالُها
- فَتًى كانَتِ الأعبَاءُ منْ سَيْبِ كَفّه،
- ثَنَى مُنْعِمِ، فاستَحْقَبَتها بِغَالُها
- وَكنتُ إذا لمْ يكفني القَوْمُ حاجَتي،
- كَفَتني يَدٌ، أيْدي الرّجالِ عِيَالُها
- وَوَجْهٌ ضَمانُ البِشْرِ منهُ مُوَقَّفٌ
- على النُّجحِ، والحاجاتُ تَترَى عِجَالُها
- بهِ مِنْ صَفيحِ الهِندِ وَسْمٌ تُبينُهُ
- صَفيحَةُ وَضّاحٍ، يَرُوقُ جَمالُها
- مَتى رَبَدَتْها عِزّةٌ، أوْ حَفِيظةٌ،
- أُعِيدَ إلَيْهَا بالسّؤالِ صِقَالُها
- مَتى تَرَهَا يَوْماً عَلَيْها دَليلُها،
- تُعجّبْكَ من شَمْسٍ عَلَيها هِلالُها
- وَقَدْ عَجمَتْ تلْكَ الخُطوبُ قَنَاتَهُ،
- فَزَادَ عَلَى عَجْمِ الخُطُوبِ اعتِدالُها
- وَمَا كَانَ مَحْرُوماً من النّصْرِ في الوَغَى،
- وَلَكِنّها الحَرْبُ اغتَدَتْ وَسِجالُها
- وَلَوْ شَاءَ، إذْ تَرْكُ المَشيئَةِ سُؤدَدٌ
- لأشْوَتْهُ، يَوْمَ الهِنْدُوَانِ، نِبَالُها
- غَداةَ يُجَارِيهِ التّقَدّمَ، في الوَغَى،
- أبو غالبٍ، والخيلُ تَترَى رِعَالُها
- كأنّهمَا،في نُصرَةٍ وَتَرَافُدٍ،
- يَمينُكَ أعْطَتْهَا الوَفَاءَ شِمَالُها
- فَمَا أُسِرَا، إنّ المَذاهبَ، لمْ تَكُنْ
- مُحيطاً بكَيدِ الآسرِينَ، مَجالُها
- وَلاَ نَجَوَا، إنّ النّجَاةَ يَسيرَةٌ،
- وَلَكِنْ سُيُوفٌ أكْرَهَتْها رِجَالُها
- وَمَا ارْتَبْتُ في آلِ المُدَبِّرِ، إنّهُمْ،
- إذا انْتَسَبَتْ غُرُّ المَكارِمِ، آلُها
- وَلا ظَلَمَتْ إِذْ لَمْ تُمَيٍّلْ رَوِيَّةً
- بُغَاةُ النَّدَى فِي أَنَّ مالَكَ مالُها
- فِداكَ، أبا إِسْْحاقَ، غادٍ على العُلاَ،
- يُقَصِّرُ عَنْ غَايَاتِهَا وَتَنَالُها
- وَرَاجِيَةٌ أنْ يَسْتَطيعَكَ سَعْيُها،
- وَقَدْ سَافَرَتْ بينَ الرّجالِ خِلاَلُها
- وكَمْ شَرَفٍ قد قُمتَ دونَ سَبِيلِهِ،
- وَفُرْصَةِ مَجْدٍ لمْ يفتُكَ اهْتِبَالُها
- وَنُبَيّتُكَ استَبطأتَ شُكرِي لأنْعُمٍ
- تَتَابَعَ عِنْدي، سَيْبُها وَنَوَالُهَا
- وكَيْفَ، وَقد سارَتْ غَرَائِبُ لمْ يَزَلْ
- يَفُوتُ، فَعَالَ المُنْعِمِينَ، مَقَالُها
- ضَوَارِبُ في الآفَاقِ لَيْسَ ببارِحٍ
- بها مِنْ مَحَلٍ أوْطَنَتْهُ ارْتِحَالُها
- قَصَائِرُهَا رَهْنٌ بتَجْزِيَةِ اللَّهى،
- وَتَبقى ديوناً، في الكرامِ، طِوَالُها
- تَرَكْتُ سَوَادَ الشّكّ وانحَزْتُ طالِبَاً
- بَيَاضَ الثّرَيّا، حيثُ مالَ ذُبَالُها
- وَلمْ أرْضَ مِنْ لَيْلَى حَبيباً، ولا من الـ
- ـشّآمِ بِلاداً يَطّبيني احتِلالُهَا
- أرِحْنا بتَيْسِيرِ المَطَايَا، فإنّها
- صَرِيمَةُ عَزْمٍ حُلّ عَنْهَا عِقَالُها
- وَقَد يُبلِغُ المُشتاقَ مَوْقعَ شَوْقِهِ
- سُرَى الأَرْحَبِيَّّاتِ، البَعيدِ كَلالُها
المزيد...
العصور الأدبيه