الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> ناهيك من حرق أبيت أقاسي >>
قصائدالبحتري
ناهيك من حرق أبيت أقاسي
البحتري
- نَاهِيكَ مِنْ حُرَقٍ أبِيتُ أُقاسِي،
- وَجُرُوحِ حُبٍّ ما لَهُنّ أوَاسِ
- إمّا لَحَظْتَ، فأنْتَ جُؤذُرُ رَمْلَةٍ،
- وإذا صَدَدْتَ، فأنتَ ظبيُ كِناسِ
- قَد كانَ منّي الحُزْنُ، غِبَّ تَذَكّرٍ،
- إذْ كَانَ مِنْكَ الصّبرُ غِبَّ تَناسِ
- تَجرِي دُمُوعي، حينَ دَمعُكَ جامد،
- وَيَلينُ قَلبي، حينَ قَلبُكَ قاسِ
- أسَمِعتَ عاذِلَةً، فَهَلْ طاوَعتَها،
- وَرَأيتَ شانِئَةً، فَهَلْ مِنْ بَاسِ
- ما قُلْتُ للطّيْفِ المُسَلِّمِ: لا تَعُدْ
- تَغشَى، وَلاَ كَفكَفْتُ حاملَ كاسِ
- يا بَرْقُ! أسفِرْ عَنْ قُوَيْقَ، فطُرّتَيْ
- حَلَبٍ، فأعلى القَضرِ منْ بَطْيَاسِ
- عَن مَنْبِتِ الوَرْدِ، المُعَصْفَرِ صِبْغُهُ،
- في كُلّ ضَاحيَةٍ، وَمَجْنَى الآسِ
- أرْضٌ، إذا استَوْحَشتُ ثمّ أتَيْتُها
- حَشَدَتْ عليّ، فأكثَرَتْ إينَاسي
- أليَوْمَ حَوّلَني المَشيبُ إلى النُّهَى،
- وَذَلَلْتُ للعُذّالِ، بَعْدَ شِمَاسِ
- وَرَفَعْتُ مِنْ نظَري إلى أهلِ الحِجَى،
- وَلَوَيْتُ، عَنْ أهْلِ الغِوايَةِ، رَاسِي
- وَرَضِيتُ، مِنْ عَوْدِ البَخِيلِ وَبَدْئِهِ،
- باليَأسِ، لَوْ نَفَعَ الرّضَى باليَاسِ
- أبلِغْ أبَا الحَسَنِ الذي لَبِسَ النّدى
- للخابِطِينَ، فَكَانَ خَيرَ لِبَاسِ
- مَهْمَا نَسيتُ، فلَستُ للحَسنِ الذي
- أوْلَيْتَ، في قِدَمِ الزّمَانِ، بِنَاسِ
- وَلَئِنْ أطَلْتُ البُعْدَ عَنْكَ فلمْ تَزَلْ
- نَفْسي إلَيْكَ كَثِيرَةَ الإنْفَاسِ
- إنْ تُكسَ مِنْ وَشْيِ المَديحِ، فإنّهُ
- مِن ضَوْءِ سَيْبِكَ في المَحَافِلِ كاسِ
- وَكَأنّكَ العَبّاسُ نُبْلَ خَليقَةٍ،
- وَعُلُوَّ هَمٍّ في بَني العَبّاسِ
- وَتَفَاضُلُ الأخْلاَقِ، إنْ حَصّلْتَهَا
- في النّاسِ، حَسبُ تَفَاضُلِ الأجناسِ
- لَوْ جَلّ خَلْقٌ قَطّ عَنْ أُكْرُومَةٍ
- تُنْثَى، جَلَلْتَ عن النّدى والبَاسِ
- وأبي أبيكَ، لَقَدْ تُقَصّي غَايَةً
- في المَكْرُمَاتِ، قَليلَةَ الأُنَاسِ
- فإذا بَنَى غُفْلُ الرّجالِ بُنًى عَلى
- جَدَدٍ، بَنَيتَ على ذُرًى وأسَاسِ
- وإنِ استَطاعَتْهُ المَنُونُ، فبَعْدَما
- دَخَلَتْ على الآسادِ في الأخْيَاسِ
- قَدْ قُلتُ للرّامِينَ مَجْدَكَ بالمُنَى،
- وَلحَاسِدِيكَ الرُّذّلِ الأنْكاسِ
- رُودوا بأفْنِيَةِ الظِّرَابِ، وَنَكِّبُوا
- عَنْ ذَلكَ الجَبَلِ الأشَمّ الرّاسِي
- فَهُنَاكَ أرْوَعُ مِنْ أرُومَةِ هَاشِمٍ،
- رَحْبُ النّدِيّ، مُوَقَّرُ الجُلاّسِ
- ساحَتْ مَوَاهِبُهُ فلَمْ تُحوِجْ ألى
- جَذْبِ الدّلاءِ، تُمدُّ بالأمْرَاسِ
- لا مُطلِقٌ هُجرَ الحَديثِ، إذا احتَبَى
- فيهِمْ، ولا شَرِسُ السّجيّةِ جاسِ
- حَيثُ السّجايا الباذِلاتُ ضَوَاحِكٌ،
- زُهْرٌ، وَحَيْثُ العَاذِلاتُ خَوَاسِي
- لا مِنْ طَرِيفٍ جَمّعَتْهُ خِيَانَةٌ،
- ما مِنْهُ يَبْذُلُ جاهِداً، وَيُوَاسي
- لَيْسَ الذي يُعْطيكَ تالَدِ مالِهِ،
- مِثْلَ الذي يُعطيكَ مالَ النّاسِ
المزيد...
العصور الأدبيه