الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> من قائل للزمان ما أربه >>
قصائدالبحتري
من قائل للزمان ما أربه
البحتري
- مَنْ قَائلٌ للزّمَانِ ما أرَبُهْ،
- في خُلُقٍ منْهُ قَدْ خلا عَجَبُهْ
- يُعْطَى امرُؤٌ حَظَّهُ، بلا سَبَبٍ،
- وَيُحْرَمُ الحَظَّ مُحْصِدٌ سَبَبُهْ
- نَجْهَلُ نَفْعَ الدّنْيَا، فَنَدْفَعُهُ،
- وَقَدْ نَرَى ضُرّها، فنَجْتَلبُهْ
- لا يَيْأسِ المَرْءُ أنْ يُنَجّيَهُ
- ما يَحْسبُ النّاسُ أنّهُ عَطَبُهْ
- يَسُرُّكَ الشيء قَدْ يَسُوءُ، وَكمْ
- نَوّهَ يَوْماً بخَاملٍ لَقَبُهْ
- رأيْتُ خَيرَ الأيَامِ قَلّ، فَعنْدَ
- الله أُخْرَى الأيّامِ أحْتَسبُهْ
- واستُؤنِفَ الظّلمُ في الصّديقِ، فهل
- حُرٌّ يَبيعُ الإنْصَافَ أو يَهَبُهْ
- عنْدي مُمضٌّ منَ الهَنَاءِ، إذا
- عِرّيضُ قَوْمٍ أحَكَّهُ جَرَبُهْ
- وَلي منِ اثْنَينِ وَاحدٌ أبَداً
- عَرْضُ عَزِيزِ الرّجَالِ أوْ سَلَبُهْ
- وَخَيرُ ما اختَرْتُ أوْ تُخُيّرَ لي
- رِضَا شَرِيفٍ يَسُوءُني غَضَبُهْ
- وَصَاحبٌ ذاهبٌ بخِلّتِهِ،
- وَلّى بها، واتّثنَيْتُ أطّلبُهْ
- يُرْصِدُ لي إنْ وَصَلْتُهُ مَلَلَ الـ
- ـجَافي وأشْتَاقُ حينَ أجْتَنبُهْ
- فَلَسْتُ أدْرِي أبُعْدُ شُقّتِهِ
- أشَقُّ رُزْءاً عَلَيّ أمْ صَقَبُهْ
- تَارَكْتُهُ ناصراً هَوَاهُ عَلى
- هَوَايَ فيهِ، حتّى انقَضَى أرَبُهْ
- هَجْرَ أخي لَوْعَةٍ يَرَى جَلَداً،
- وَهوَ مَرِيضُ الحَشَا لها وَصِبُهْ
- فاضَلَ بَينَ الإخْوَانِ عسري وَعن
- ظَلْمَاءِ لَيْلٍ تَفَاضَلَتْ شُهُبُهْ
- وَعُدّتي للهُمُومِ، إنْ طَرَقَتْ،
- تَوْخِيدُ ذاكَ المَطيّ، أوْ خَبَبُهْ
- سَاقَتْ بنَا نَكْبَةٌ مُذَمَّمَةٌ
- فينَا، وَدَهْرٌ رَخيصَةٌ نُوَبُهْ
- فَهَلْ لضَيْفِ العرَاقِ منْ صَفَدٍ
- عندَ عَميدِ العرَاقِ يَرْتَقبُهْ
- وَمُستَسرّينَ في الخُمُولِ بَلَوْ
- ناهُمْ فَذَمَّ الحَرَامَ مُكْتَسبُهْ
- كانوا كَشَوْكِ القَتادِ يَسخَطُ رَا
- عيهِ، ويَأبَى رِضَاهُ مُحْتَطِبُهْ
- لا أحْفِلْ المَرْءَ، أوْ تُقَدّمَهُ
- شَتّى خِصالٍ أشَفّها أدَبُهْ
- وَلَسْتُ أعْتَدُّ للفَتَى حَسَباً،
- حَتّى يُرَى في فَعَالِهِ حَسَبُهْ
- مثْلُ ابنِ بِسْطَامَ الذي شَرُفَتْ
- أبْداؤهُ ثُمّ تُمّمَتْ عُقَبُهْ
- ما دارَ للمَكْرُمَاتِ منْ فَلَكٍ،
- إلاّ وَزَاكي فَعَالِهِ قُطُبُهْ
- يَنْقَادُ طَوْعاً لَه، إذا حُشدَتْ
- عَلَيْهِ تلكَ الأشْبَاهُ تَجتَذِبُهْ
- تَنَافَسَ النّاسُ فيهِ، أسعَدُهُمْ
- عنْدَهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ نَسَبُهْ
- يُبهجُ عُجْمَ البلادِ فَوْزُهُمُ
- بهِ، وَتَأسَى لفَوْتِهِ عَرَبُهْ
- مَنْ يَتَصَرّعْ في إثْرِ مَكْرُمَةٍ،
- فَدأبُهُ في ابْتغَائها دَأَبُهْ
- كَمْ رَاحَ طَلْقاً، وَرَاحَ تالِدُهُ
- مَطيّةً للحُقُوقِ تَعْتَقِبُهْ
- تُحْسَبُ في وَفْرِهِ يَداهُ يَدَيْ
- عَدُوّهُ، أوْ لغَيْرهِ نَشَبُهْ
- مَالٌ، إذ الحَمْدُ عِيضَ منهُ غَدا
- مُنْهِبُهُ غانماً، وَمُنْتَهِبُهْ
- وَبَيْنَما المُشْكِلاتُ رَائدَةٌ
- مُيَسِّراً للصّوابِ، يَقتَضِبُهْ
- تَاحَ لَهَا وَادِعاً، تَمَهُّلُهُ،
- في مُرْهِقِ الأمْرِ، وَاسعاً لَبَبُهْ
- وَكَأنَ إسْرَاعُهُ تَرَسُّلَهُ
- قَرَارَ جَأشٍ، أو جَدَّهُ لَعِبُهْ
- دَنّى الأقَاصِي إبْسَاسُ مُتّئدٍ،
- يَسْتَنْزِلُ الدُّرَّ ثُمّ يَحْتَلِبُهْ
- يُغني غنَاءَ الجيوشِ في طلَبِ الفَيْء
- ءِ، إذا ما تَنَاصَرَتْ كُتُبُهْ
- ظل وظل العمال في طلب حيث هم
- حاضر ما دبروا وهم غيبه
- مُرَاهِقٌ، رَأسُ أمرِهِ، وَأخو العَجـ
- ـزِ يَليهِ منْ أمْرِهِ ذَنَبُهْ
- فلَيسَ يَعرُو خَطبٌ يُرَادُ بهِ السّلْـ
- ـطانُ إلاّ مأخُوذَةٌ أُهَبُهْ
- أقْلامُ كُتّابِهِ مُوَجَّهَةٌ
- للرّأيِ، يَخْتَارُهُ وَيَنْتَخبُهْ
- يَحْملُ عَنهُمُ ما لا يَفُونَ بهِ،
- كافي كُفاةٍ، يُرِيحُهُمْ تَعَبُهْ
- مُنْتَظَرٌ إذْنُهُ، وَلَوْ سَئمَتْ
- نَفْسُ أبيٍّ، وَطَالَ مُرْتَقَبُهْ
- إذا بَدَا للعُيُونِ حَوّلَها
- ساطعَ بِشْرٍ، يَرُوقُها لَهَبُهْ
- وإنْ أتَى دونَهُ الحجابُ، فَلَنْ
- تَسْتُرَ عَنْهُمْ آلاءَهُ حُجُبُهْ
- يَهْتَالُهُ المَجْدُ منْ جَوَانِبِهِ،
- كالمَاءِ يَهْتَالُ عَفوَهُ صَبَبُهْ
- إنْ قَالَ، أوْ قُلتُ لم يُخَفْ كَذبِي
- في حفظّ أُكرُومَةٍ، ولاَ كَذِبُهْ
- أوِ استَبَقْنَا المُجَازِيَاتِ، فَلَنْ
- يَذهَبَ شعرِي لَغواً ولا ذَهَبُهْ
- يُتبِعُ تأميلَهُ الثّرَاءَ، كَمَا
- أُتْبعَ غُزْراً من ديمَةٍ عُشُبُهْ
المزيد...
العصور الأدبيه