الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> منى النفس في أسماء لو يستطيعها >>
قصائدالبحتري
منى النفس في أسماء لو يستطيعها
البحتري
- مُنَى النّفسِ في أسماءَ، لَوْ يَستَطيعُها
- بِهَا وَجْدُها مِنْ غادَةٍ وَوَلُوعُهَا
- وَقَدْ رَاعَني مِنها الصّدودُ، وَإنّما
- تَصُدّ لِشَيبٍ في عِذاري يَرُوعُها
- حَمَلْتُ هَوَاهَا، يَوْمَ مُنعَرَجِ اللّوَى
- عَلى كَبِدٍ قَدْ أوْهَنَتْها صُدوعُها
- وَكُنْتُ تَبِيعَ الغَانِيَاتِ، ولمْ يزَلْ
- يَذُمّ وَفَاءَ الغَانِيَاتِ تَبِيعُهَا
- وَحَسنَاءَ لَمْ تُحسِنْ صَنيعاً، ورُبّمَا
- صَبَوْتُ إلى حَسنَاءَ سِيءَ صَنِيعُهَا
- عَجِبْتُ لَهَا تُبْدي القِلَى، وَأوَدُّهَا،
- وَللنّفسِ تَعْصِيني هَوًى وأُطِيعُهَا
- تَشكّى الوَجَا واللّيلُ مُلتبِسُ الدّجى،
- غُرَيرِيّةُ الأنْسابِ مَرْتٌ بَقيعُها
- وَلَستُ بِزَوّارِ المُلُوكِ عَلَى الوَجَا،
- لَئِنْ لمْ تَجُلْ أغراضُها وَنُسوعُها
- تَؤمّ القُصُورَ البِيضَ من أرْضِ بابلٍ
- بِحَيْثُ تَلاَقَى غَرْدُها وَبَدِيعُها
- إذا أشْرَفَ البُرْجُ المُطِلُّ رَمَيْنَهُ
- بأبْصَارِ خُوصٍ، قَد أرَثّتْ قُطوعُهَا
- يُضِىءُ لَها قَصْدَ السُّرَى لَمَعَانُهُ،
- إذا اسوَدّ مِن ظَلماءِ لَيلٍ هَزِيعُها
- نَزُورُ أمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَدُونَهُ
- سُهُوبُ البِلادِ: رَحْبُهَا وَوَسِيعُهَا
- إذا مَا هَبَطْنا بَلْدَةً كَرّ أهْلُهَا
- أحَادِيثَ إحْسَانٍ نَداهُ يُذِيعُهَا
- حمَى حَوْزَةَ الإسلامِ، فارْتَدعَ العِدَى،
- وَقَد عَلِمُوا أَلاَّ يُرامَ مَنيعُهَا
- وَلَمّا رَعَى سِرْبَ الرّعيّةِ ذادَهَا
- عن الجدبِ مُخضرُّ البِلادِ، مَرِيعُهَا
- عَلِمتُ يَقيناً مُذْ تَوَكّلَ جَعفَرٌ
- عَلى الله فِيهَا، أنّهُ لا يُضِيعُهَا
- جَلا الشكَّ عن أبصَارِنا بِخِلافَةٍ
- نَفَى الظُّلمَ عَنّا والظّلامَ صَديعُهَا
- هيَ الشّمسُ أبدى رَونَقُ الحقّ نورَها،
- وأشرَقَ في سرّ القُلوبِ طُلُوعُهَا
- أسِيتُ لأِخْوَالي رَبِيعَةَ، إذْ عَفَتْ
- مَصانُعها مِنْهَا وَأقْوَتْ رُبُوعُهَا
- بكُرْهيَ إنْ بَاتَتْ خَلاءً دِيَارُهَا،
- وَوَحْشاً مَغَانِيهَا، وشَتّى جَميعُها
- وَأمسَتْ تُساقي المَوْتَ من بَعدِ ما غدتْ
- شَرُوباً تُساقي الرّاحَ رِفْهاً شُرُوعُهَا
- إذا افتَرَقُوا عَنْ وَقْعَةٍ جَمَعَتْهُمُ
- لاُِخْرَى دِماءٌ ما يُطَلّ نَجِيعُهَا
- تَذُمُّ الفَتاةُ الرُّودُ شِيمَةَ بَعْلِهَا،
- إذا بَاتَ دونَ الثّأرِ، وهوَ ضَجِيعُهَا
- حَمِيّةُ شَعْبٍ جَاهِلِيٍّ، وَعِزّةٌ
- كُلَيْبِيّةٌ أعْيَا الرّجالَ خُضُوعُهَا
- وَفُرْسانِ هَيجاءٍ تَجِيشُ صُدُورُهَا
- بِأحْقَادِها حَتّى تَضِيقَ دُرُوعُهَا
- تُقَتِّلُ مِنْ وِتْرٍ أعَزَّ نُفُوسِهَا
- عَلَيْها، بِأيْدٍ مَا تَكَادُ تُطِيعُهَا
- إذا احتَرَبتْ يَوْماً، فَفَاضَتْ دِماؤها،
- تَذَكّرَتِ القُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُها
- شَوَاجِرُ أرْمَاحٍ تُقَطِّعُ بَيْنَهُمْ
- شَوَاجِرَ أرْحَامٍ مَلُومٍ قُطُوعُهَا
- فَلَولا أمِيرُ المُؤمِنِينَ وَطَوْلُهُ،
- لَعَادَتْ جُيُوبٌ والدّمَاءُ رُدُوعُهَا
- وَلاصْطُلمَتْ جُرْثُومَةٌ تَغْلِبِيّةٌ،
- بهاِ استُبْقِيَتْ أغصَانُهَا وَفُرُوعُهَا
- رَفَعْتَ بضَبْعَيْ تَغْلِبَ ابنةِ وَائِلٍ،
- وَقَدْ يَئِسَتْ أنْ يَستَقِلّ صَرِيعُهَا
- فَكُنْتَ أمِينَ الله مَوْلَى حَيَاتِهَا،
- وَمَوْلاكَ فَتْحٌ يَوْمَذاكَ شَفيعُهَا
- لَعَمْرِي لَقَدْ شَرّفْتَهُ بِصَنِيعَةٍ
- إلَيهِمْ، ونُعمَى ظَلّ فيهِمْ يُشيعُها
- تَألّفَهُمْ، مِن بَعدِ ما شرَدتْ بهمْ
- حَفائظُ أخْلاقٍ، بَطيءٍ رُجُوعُهَا
- فأبْصَرَ غَاوِيها المَحَجّةَ، فاهْتَدَى،
- وأقصَرَ غاليها، وَدَانَى شَسُوعُهَا
- وأمضَى قَضَاءً بَيْنَها، فَتَحاجَزَتْ،
- وَمَحْفُوضُها رَاضٍ بهِ وَرَفِيعُهَا
- فَقَدْ رُكّزَتْ سُمرُ الرّماحِ وَأُغمدتْ
- رِقاقُ الظُّبَا مَجفُوُّهَا وَصَنيعُهَا
- فَقَرّتْ قُلُوبٌ كَانَ جَمّاً وَجِيبُهَا،
- وَنَامَتْ عُيُونٌ كانَ نَزْراً هُجُوعُهَا
- أتَتكَ، وَقَدْ ثابَتْ إليها حُلُومُها،
- وبَاعَدَها عَمّا كَرِهْتَ نُزُوعُهَا
- تُعِيدُ وَتُبدي مِنْ ثَنَاءٍ كَأنّهُ
- سَبَائِبُ رَوْضِ الحَزْنِ جادَ رَبيعُهَا
- تَصُدُّ حَياءً أنْ تَرَاكَ بِأوْجُهٍ
- أتَى الذّنْبَ عاصِيها فَليمَ مُطيعُهَا
- وَلا عُذْرَ إلاّ أنّ حِلْمَ حَليمِهَا
- تُسَفَّهُ في شَرٍّ جَنَاهُ خَليعُهَا
- رَبَطْتَ بِصُلْحِ القَوْمِ نافِرَ جَأشِها،
- فَقَرّ حَشاها واطمَأنّتْ ضُلُوعُها
- بَقيتَ، فكَمْ أبقَيتَ بالعَفوِ مُحسِناً
- على تَغْلِبٍ حتّى استَمَرّ ظَلِيعُهَا
- وَمشفقةً تخشَىالحمامَ على ابنها
- لأول هيجْاءٍ تَلاقي جُمُوعها
المزيد...
العصور الأدبيه