الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> محل على القاطول أخلق داثره >>
قصائدالبحتري
محل على القاطول أخلق داثره
البحتري
- مَحَلٌّ على القَاطُولِ أخْلَقَ داثِرُهْ،
- وَعادتْ صُرُوفُ الدّهرِ جَيشاً تُغاوِرُهْ
- كأنّ الصَّبا تُوفي نُذُوراً إذا انبَرَتْ
- تُرَاوِحُهُ أذْيَالُهَا، وَتُبَاكِرُهْ
- وَرُبّ زَمَانٍ نَاعِمٍ ثَمّ عَهْدُهُ،
- تَرِقُّ حَوَاشِيهِ، وَيُونِقُ نَاضِرُهْ
- تَغَيّرَ حُسْنُ الجَعْفَرِيّ وأُنْسُهُ،
- وَقُوّضَ بَادي الجَعْفَرِيّ وَحَاضِرُهْ
- تَحَمّلْ عَنْهُ سَاكِنُوهُ، فُجَاءَةً،
- فَعَادَتْ سَوَاءً دُورُهُ، وَمَقَابِرُهْ
- إذا نَحْنُ زُرْنَاهُ أجَدّ لَنَا الأسَى،
- وَقَد كَانَ قَبلَ اليَوْمِ يُبهَجُ زَائِرُهْ
- وَلم أنسَ وَحشَ القصرِ، إذ رِيعَ سرْبُهُ،
- وإذْ ذُعِرَتْ أطْلاَؤهُ وَجَآذِرُهْ
- وإذْ صِيحَ فيهِ بالرّحِيلِ، فهُتّكَتْ
- عَلى عَجَلٍ أسْتَارُهُ وَسَتَائِرُهْ
- وَوَحْشَتُهُ، حَتّى كأنْ لَمْ يُقِمْ بِهِ
- أنيسٌ، وَلمْ تَحْسُنْ لعَينٍ مَنَاظِرُهْ
- كأَن لمْ تَبِتْ فيهِ الخِلاَفَةُ طَلْقَةً
- بَشَاشَتُها، والمُلكُ يُشرِقُ زَاهرُهْ
- وَلمْ تَجْمَعِ الدّنْيَا إلَيهِ بَهَاءَهَا،
- وَبَهجَتَها، والعيشُ غَضٌّ مكاسرُهْ
- فأينَ الحِجابُ الصّعبُ، حَيثُ تَمَنّعَتْ
- بِهَيْبَتِهَا أبْوَابُهُ، وَمَقاصِرُهْ
- وأينَ عَمِيدُ النّاسِ في كلّ نَوْبَةٍ
- تَنُوبُ، وَنَاهي الدّهرِ فيهِمْ وآمرُه
- تَخَفّى لَهُ مُغْتَالُهُ، تَحتَ غِرّةٍ،
- وَأوْلَى لِمَنْ يَغْتَالُهُ لَوْ يُجَاهِرُهْ
- فَمَا قَاتَلَتْ عَنْهُ المَنَايَا جُنُودُهُ،
- وَلاَ دَافَعَتْ أمْلاَكُهُ وَذَخَائِرُهْ
- وَلاَ نَصَرَ المُعتَزَّ مَنْ كَانَ يُرْتَجَى
- لَهُ، وَعَزِيزُ القَوْمِ مَنْ عَزّ ناصِرُهْ
- تَعَرّضَ ويب الدهر من دونِ فتحِهِ،
- وَغُيّبَ عَنهُ في خُرَاسَانَ، طاهِرُهْ
- وَلَوْ عَاشَ مَيْتٌ، أوْ تَقَرّبَ نَازحٌ،
- لَدَارَتْ مِنَ المَكْرُوهِ ثَمّ دَوَائِرُهْ
- وَلَوْ لعُبَيْدِ الله عَوْنٌ عَلَيْهِمُ،
- لَضَاقَتْ عَلَى وُرّادِ أمْرٍ مَصَادِرُهْ
- حُلُومٌ أضَلّتْهَا الأمَاني، وَمُدّةٌ
- تَنَاهَتْ، وَحَتفٌ أوْشَكتَهُ مَقَادِرُهْ
- وَمُغْتَصَبٍ للقَتلِ لَمْ يُخْشَ رَهْطُهُ،
- وَلمْ تُحتَشَمْ أسْبَابُهُ وَأوَاصِرُهْ
- صَرِيعٌ تَقَاضَاهُ السّيُوفُ حُشَاشَةً،
- يَجُودُ بها، والمَوْتُ حُمْرٌ أظافرُهْ
- أُدافعُ عَنهُ باليَدَينِ، وَلَمْ يَكُنْ
- ليَثْنِي الأعَادِي أعزَلُ اللّيلِ حاسرُهْ
- وَلَوْ كَانَ سَيفي ساعةَ القتل في يدي
- درَى القاتلُ العَجلانُ كيفَ أُساوِرُهْ
- حَرَامٌ عليّ الرّاحُ، بَعْدَكَ، أوْ أرَى
- دَماً بدَمٍ يَجرِي عَلى الأرْضِ مائرُهْ
- وَهَلْ أرْتَجِي أنْ يَطْلُبَ الدّمَ وَاترٌ
- يَدَ الدّهْرِ، والمَوْتُورُ بالدّمِ وَاتِرُهْ
- أكانَ وَليُّ العَهْدِ أضْمَرَ غَدْرَةً؟
- فَمِنْ عَجَبٍ أنْ وُلّيَ العَهدَ غادرُهْ
- فلا مُلّيَ البَاقي تُرَاثَ الذي مَضَى،
- وَلاَ حَمَلَتْ ذاكَ الدّعَاءَ مَنَابِرُهْ
- وَلاَ وَألَ المَشْكُوكُ فيهِ، وَلا نَجَا
- من السّيفِ ناضِي السّيفِ غدراً وَشاهرُهْ
- لَنِعمَ الدّمُ المَسْفُوحُ، لَيلَةَ جَعفرٍ،
- هَرَقتُمْ، وَجُنحُ اللّيلِ سُودٌ دَيَاجِرُهْ
- كأنّكُمْ لمْ تَعْلَمُوا مَنْ وَلِيُّهُ،
- وَنَاعيهِ تَحْتَ المُرْهَفَاتِ وَثَائِرُهْ
- وإنّي لأرْجُو أنْ تُرَدّ أُمُورُكُمْ
- إلى خَلَفٍ مِنْ شَخصِهِ لا يُغَادِرُهْ
- مُقَلِّبُ آرَاءٍ تُخَافُ أنَاتُهُ،
- إذا الأخرَقُ العَجلانُ خيفتْ بَوَادرُهْ
المزيد...
العصور الأدبيه