الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> مثالك من طيف الخيال المعاود >>
قصائدالبحتري
مثالك من طيف الخيال المعاود
البحتري
- مِثَالُكَ مِنْ طَيْفِ الخَيَالِ المُعَاوِدِ،
- ألَمّ بِنَا مِنْ أُفْقِهِ المُتَبَاعِدِ
- يُحَيّي هُجُوداً مُنْتَشِينَ مِنَ الكَرَى،
- وَمَا نَفْعُ إهْدَاءِ السّلاَمِ لِهَاجِدِ
- إذا هيَ مالَتْ للعِنَاقِ تَعَطّفَتْ،
- تَعَطُّفَ أُمْلُودٍ، منَ البَانِ، مائدِ
- إذا وَصَلَتْنَا لمْ تَصِلْ عَنْ تَعَمّدٍ،
- وإنْ هَجَرَتْ أبدَتْ لَنَا هَجرَ عامِدِ
- تُقَلّبُ قَلْباً مَا يَلينُ إلى الصّبَا،
- وَمَنْزُورَ دَمعٍ عن جَوَى الحبّ جامد
- تَمَادَى بها وَجدي، وَمُلّكَ وَصْلَهَا
- خَليُّ الحَشَا، في وَصْلِها جِدّ زَاهِدِ
- وَمَا النّاسُ إلاّ وَاجِدٌ غَيرُ مالِكٍ
- لِمَا يَبتَغي، أوْ مَالِكٌ غَيرُ وَاجِدِ
- سَقَى الغَيثُ أكنافَ الحِمَى مِنْ مَحَلّةٍ
- إلى الحِقْفِ من رَملِ اللوى المُتَقاوِدِ
- وَلاَ زَالَ مُخْضَرٌّ منَ الرّوْضِ يَانِع
- عَلَيهِ، بمُحْمَرٍّ من النَّورِ جاسِدِ
- يُذَكّرُنَا رَيّا الأحِبّةِ، كُلّمَا
- تَنَفّسَ في جُنْحٍ مِنَ اللّيلِ بَارِدِ
- شَقَائِقُ يَحمِلْنَ النّدَى، فكأنّهُ
- دُمُوعُ التّصَابي مِنْ خُدودِ الخَرَائِدِ
- وَمِنْ لُؤلُؤٍ في الأُمحُوَانِ مُنَظَّمٍ،
- عَلى نُكَتٍ مُصْفَرّةٍ، كالفَرَائِدِ
- كأنّ جَنى الحَوْذانِ، في رَوْنَقِ الضّحَى،
- دَنانيرُ تبرٍ مِنْ تُؤَامٍ وَفَارِدِ
- رِبَاعٌ تَرَدّتْ بالرِّيَاضِ، مَجُودَةٌ
- بكُلّ جَديدِ الماءِ عَذبِ المَوَارِدِ
- إذا رَاوَحَتْهَا مُزْنَةٌ بَكَرَتْ لَهَا
- شآبيبُ مُجْتَازٍ عَلَيْهَا، وَقَاصِدِ
- كأنّ يَدَ الفَتحِ بنِ خَاقَانَ أقْبَلَتْ
- تَليهَا بتِلْكَ البَارِقَاتِ الرّوَاعِدِ
- مَلِيّاً، إذا ما كانَ بادىءَ نِعْمَةٍ،
- بكَرّ العَطَايَا البَادئَاتِ العَوَائِدِ
- رَأيتُ النّدَى أمْسَى شقيقاً مُنَاسِباً
- لأخْلاَقِهِ، دونَ الحَليفِ المُعَاقِدِ
- تَلَفّتَ فَوْقَ القَائِمِينَ، فَطَالَهُمْ،
- تَشَوُّفَ بَسّامٍ إلى الوَفْدِ قاعِدِ
- جَهيرُ الخِطَابٍ يَخْفِضُ القَوْمُ عنده
- مَعَارِيضَ قَوْلٍ كالرّياحِ الرّوَاكِدِ
- يَخُضُونَ بالتّبجِيلِ أطْوَلَهُم يَداً،
- وأظْهَرَهُمْ أكْرُومَةً في المَشاهِدِ
- وَلَمْ أرَ أمثَالَ الرّجَالِ تَفاوَتَتْ
- إلى الفَضْلِ حتّى عُدّ ألْفٌ بوَاحِدِ
- وَلاَ عَيبَ في أخْلاقِهِ، غَيرَ أنّهُ
- غَرِيبُ الإسَى فيها قَلِيلُ المُسَاعِدِ
- مَكَارِمُ هُنّ الغَيْظُ بَاتَ غَليلُهُ
- يُضَرَّمُ في صَدْرِ الحَسُودِ المُكايِدِ
- وَلَنْ تَستَبِينَ الدّهْرَ مَوْضِعَ نِعْمَةٍ،
- إذا أنتَ لمْ تُدْلَلْ عَلَيها بحاسِدِ
- كَفَى رأيُهُ الجُلّى، وَألقى سَمَاحُهُ
- نَفَاقاً على عِلْقٍ مِنَ الشِّعْرِ كاسِدِ
- وإنّ مَقَامِي، حَيثُ خَيّمتُ، مِحنةٌ،
- تُخَبّرُ عَنْ فَهْمِ الكِرَامِ الأجاوِدِ
- وكاْئِنْ لهُ في ساحَتي منْ صَنِيعَةٍ،
- قَطَعْتُ لَهَا عُقْلَ القَوَافي الشّوَارِدِ
- وإنّي لَمَحْقُوقٌ ألا يَطُولَنِي
- نَداهُ، إذا طَاوَلْتُهُ بالقَصَائِدِ
- يَحُكْنَ لَهُ حَوْكَ البُرُودِ لزِينَةٍ،
- وَيَنْظِمْنَ عَنْ جَدوَاهُ نَظمَ القَلائِدِ
- وَحَسْبُ أخي النُّعمى جَزَاءً إذا امتطى
- سَوَائِرَ مِنْ شِعْرٍ على الدّهرِ خالِدِ
- مَلَكْتُ بهِ وِدّ العِدى، وَأجَدّ لي
- أوَاصِرَ قُرْبَى في الرّجَالِ الأباعِدِ
- جَمَالُ اللّيَالي في بَقَائِكَ، فَليَدُمْ
- بَقاؤكَ في عُمْرٍ عَلَيْهِنّ زَائِدِ
- وَمُلّيتَ عَيْشاً مِن أبي الفَتحِ، إنّهُ
- سَليلُ العُلا، وَالسّؤدَدِ المُتَرَافِدِ
- مَتى مَا يَشِدْ مَجداً يَشِدْهُ بهِمّةٍ
- تَقَيّلَ فيها ماجِداً بَعْدَ مَاجِدِ
- وإنْ يَطّلِبْ مَسْعَاةَ مَجدٍ بَعيدَةً،
- يَنَلْهَا بِجَدٍّ أرْيَحيٍّ وَوَالِدِ
- كَما مُدّتِ الكَفُّ المُضَافُ بَنانُها
- إلى عَضُدٍ، في المَكْرُمَاتِ، وَسَاعِدِ
- يَسُرّكَ في هَدْيٍ إلى الرّشدِ ذاهِبٍ،
- وَيُرْضِيكَ في هَمٍّ إلى المَجْدِ صاعِدِ
- لَهُ حَرَكَاتٌ مُوجِبَاتٌ بِأنّهُ
- سَيَعْلُو، علو البدر بين الفراقد
- مَوَاعِدُ لِلأيّامِ فيهِ، وَرَغْبَتِي
- إلى الله في إنجازِ تِلْكَ المَوَاعِدِ
- أأجْحَدُكَ النَّعْمَاءَ، وهيَ جَليلَةٌ،
- وَمَا أنَا للبِرّ الخَفيّ بِجَاحِدِ
- مَتَى ما أُسَيِّرْ في البِلادِ ركَائبي،
- أجِدْ سائقي يَهْوِي إلَيكَ، وَقَائِدِي
- وأكرَمُ ذُخْرِي حُسْنُ رَأيِكَ، إنّهُ
- طَرِيفي الذي آوِي إلَيهِ، وَتَالِدِي
المزيد...
العصور الأدبيه