الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> متى لاح برق أو بدى طلل قفر >>
قصائدالبحتري
متى لاح برق أو بدى طلل قفر
البحتري
- متى لاح برق أو بدى طلل قفر
- جرى مستهل لا بكيء ولا نزر
- وَما الشّوْقُ إلاّ لَوْعَةٌ بَعدَ لَوْعَةٍ،
- وَغُزْرٌ منَ الآمَاقِ، يَتبَعُها غُزْرُ
- فَلا تَذكُرَا عَهدَ التّصابي، فإنّهُ
- تَقَضّى وَلَمْ نَشعُرْ بهِ، ذلكَ العَصْرُ
- سَقَى الله عَهْداً من أُناسٍ تَصَرّمتْ
- مَوَدّتُهُمْ، إلاّ التّوَهّمُ والذّكرُ
- وَفَاءٌ منَ الأيّامِ رَجْعُ حدُوجِهمْ،
- كما أنّ تَشرِيدَ الزّمانِ بهمْ غَدْرُ
- هَلِ العَيْشُ إلاّ أنْ تُسَاعِفَنَا النّوَى
- بوَصْلِ سُعَادٍ، أوْ يُسَاعدَنا الدّهرُ
- عَلى أنّها مَا عندها لمُوَاصِلٍ
- وِصَالٌ، وَلا عَنها لمُصْطَبِرٍ صَبرُ
- إذا ما نَهَى النّاهي، فلَجّ بيَ الهَوَى،
- أصاختْ إلى الوَاشِي، فلَجّ بها الهَجرُ
- تَوَهّمْتُها ألوَى بأجفانهَا الكَرَى،
- كرَى النّوْمِ، أو مالتْ بأعطافها الخَمرُ
- لعَمْرُكَ ما الدّنْيا بناقصَةِ الجَدى،
- إذا بَقيَ الفَتحُ بنُ خاقَانَ والقَطْرُ
- فَتىً لا يَزَالُ، الدّهرَ، حَوْلَ رِباعِهِ
- أيَادٍ لَهُ بِيضٌ، وأفنيَةٌ خُضْرُ
- أضَاءَ لَنَا أُفْقَ البلادِ، وَكَشّفَتْ
- مَشاهدُهُ ما لا يُكَشّفُهُ الفَجرُ
- بوَجهٍ هوَ البَدرُ المُنيرُ نَفَى الدّجَى
- سَناهُ، وأخلاقٍ هيَ الأنجُمُ الزُّهْرُ
- غَمَامُ سَمَاحٍ ما يَغُبُّ لَهُ حَيَا،
- وَمِسْعَرُ حَرْبٍ ما يَضِيعُ لهُ وِتْرُ
- وَحَارِسُ مُلْكٍ مَا يَزَالُ عَتَادَهُ
- مُهَنَّدَةٌ بِيضٌ، وَخَطِّيّةٌ سُمْرُ
- يصُونُ بَنُو العَبّاسِ سطوَةَ بأسِهِ،
- لشَغْبٍ غَدى يَعتادُ، أو حادِثٍ يَعرُو
- يَبيتُ لَهُمْ حَيثُ الأمَانَةُ والتّقَى،
- وَيَغدو لَهُمْ حيثُ الكفاَيةُ والنّصرُ
- يَعُدُّ انتقاضاً أنْ تُطَاوِلَهُمْ يَدٌ،
- وَيَعْتَدُّ وزْراً أنْ يَغُشّهُمُ صَدْرُ
- تَوَاضَعَ منْ مَجدٍ، فإن هوَ لم يكنْ
- لَهُ الكِبْرُ في أكْفَائِهِ فَلَهُ الكُبْرُ
- وَذُو رِعَةٍ لا يَقْبَلُ الدّهرَ خِطّةً،
- إذا الحمدُ لم يَدلُلْ عَلَيها وَلاَ الأجْرُ
- فِدَاكَ رِجَالٌ باعَدَ المَنْعُ رِفْدَهُمْ،
- فلا الخُمسُ وِرْدٌ من نَداهمْ ولا العُشرُ
- ألامَتْ سَجَايَاهُمْ، وَضَنّتْ أكُفُّهم،
- فإحسانُهُمْ سُوءٌ، وَمَعْرُوفُهُمْ نُكرُ
- يكونُ وُفُورُ العِرْضِ هَمّاً دونَهمْ
- إذا كانَ هَمُّ القَوْمِ أن يَفِرَ الوَفْرُ
- وَلَوْ ضَرَبُوا في المَكْرِمَاتِ بسَهمَةٍ،
- لَكَانَ لهمْ فيها اللَّفَا، ولَكَ الكَثرُ
- بَقَاءُ المَساعي أنْ تُمَدّ لكَ البقا،
- وَعُمْرُ المَعَالي أنْ يَطُولَ بكَ العُمْرُ
- لقَدْ كَانَ يَوْمُ النّهرِ يَوْمَ عَظيمةٍ،
- أطَلْتَ، وَنَعماءٍ جَرَى بهما النّهرُ
- أجَزْتَ عَلَيْهِ عابراً، فَتسَاجلَتْ
- أواذِيهِ لَمّا أنْ طَما فَوْقَهُ البَحرُ
- وَزَالَتْ أوَاخي الجسرِ، وانهَدَمَتْ بهِ
- قَوَاعِدُهُ العُظْمَى، وَمَا ظَلَمَ الجسرُ
- تَحَمّلَ حِلْماً مثلَ قُدْسٍ، وَهمّةً
- كَرَضْوَى، وَقَدْراً لَيسَ يَعدِلُه قدرُ
- ولَوْلا دِفاعُ الله عَنْكَ وَمنّةٌ
- عَلَيك، وَفَضْلٌ من مَوَاهِبِهِ غَمْرُ
- لأظلَمَتِ الدّنيا، ولانقَضّ حُسنُها،
- وَلا نحَتّ من أفنانَها الوَرَقُ الخُضْرُ
- وَلَمّا رأيْتَ الخَطْبَ ضَنْكاً سَبِيلُهُ،
- وَقد عَظُمَ المَكرُوهُ واستُفْظِعَ الأمرُ
- صرَمتَ فلَمْ تَقعُدْ بحَزْمِكَ حيرَةُ الـ
- ـمَرُوعِ، وَلَمْ يَسْدُدْ مَذاهبَك الذّعرُ
- وَماَ كَانَ ذاكَ الهَوْلُ إلاّ غَيَابَةً،
- بَدا طالعاً منْ تَحْتِ ظُلمَتها البَدْرُ
- فإنْ نَنْسَ نُعْمَى الله فيكَ فحَظَّنا
- أضَعْنا، وإنْ نَشكُرْ فقد وَجَب الشكرُ
- أرَاكَ بعَينِ المُكتَسي وَرَقَ الغنى،
- بآلائكَ اللاّتي يُعَدّدُها الشّعرُ
- وَيُعجبُني فَقرِي إلَيكَ، وَلم يَكُنْ
- ليُعجبَني، لَوْلا مَحَبّتُكَ، الفَقْرُ
- وَوَالله لا ضَاعَتْ أيَادٍ أتَيْتَهَا
- إليّ، وَلا أزْرَى بمَعْرُوفها الكُفْرُ
- وَمَا لِيَ عُذْرٌ في جُحُودِكَ نعْمَةً،
- وَلَوْ كَانَ لي عُذْرٌ لَمَا حسُنَ العُذْرُ
المزيد...
العصور الأدبيه