الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> ما أنت للكلف المشوق بصاحب >>
قصائدالبحتري
ما أنت للكلف المشوق بصاحب
البحتري
- ما أنتَ، للكَلِفِ المَشُوقِ، بصَاحِبِ،
- فاذهَبْ على مَهَلٍ، فَليسَ بِذاهِبِ
- عَرَفَ الدّيارَ، وقد سَئِمنَ من البِلَى،
- وَمَللْنَ مِنْ سُقيا السّحابِ الصّائبِ
- فأرَاكَ جَهْلَ الشّوْقِ بَينَ مَعالِمٍ
- منهَا، وَجِدَّ الدّمعِ بَينَ مَلاعِبِ
- وَيَزِيدُهُ وَحْشاً تَقارُضُ وَحْشِهَا
- وَصْلَينِ بَينَ أحِبّةٍ وَحَبَائِبِ
- تَرْعَى السّهُولَةَ، وَالحزُونُ يَقينَهَا
- حَدّينِ: بين أظَافِرٍ وَمَخَالِبِ
- لَمْ يَمْشِ وَاشٍ بَيْنَهنّ، وَلا دَعا
- بَيْناً لَهُنّ صَدَى الغُرَابِ النّاعِبِ
- مَا كانَ أحسَنَ هَذِهِ مِنْ وَقْفَةٍ،
- لوْ كانَ ذاكَ السّرْبُ سِرْبَ كَوَاعبِ
- هَل كنتَ، لوْلا بَينُهمْ، مُتَوَهّماً
- أنّ امْرَأً يُشجيهِ بَينُ مُحَارِبِ
- عَمرِي، لقد ظَلَمتْ ظَلومُ، ولم تَجُدْ،
- لِمُعَذَّلٍ فيهَا، بوَعْدٍ كاذِبِ
- صَدّتْ مُجَانِبَةً، وَخَلّفني الهَوَى
- عن هَجرِها فوصَلتُ غيرَ مُجَانِبِ
- وَإذا رَجَوْتُ ثَنَتْ رَجائيَ شَكتّةٌ
- مِنْ عاتِبٍ في الحُبّ، غَيرِ مُعاتِبِ
- لوْ كانَ ذَنْبي غَيرَ حُبّكِ أنّهُ
- ذَنْبي إلَيكِ، لكُنتُ أوّلَ تَائِبِ
- سأرُوضُ قَلبي، أوْ يروح مُباعِداً
- لِمُبَاعِدٍ، وَمُقارِباً لمُقارِبِ
- فإذا رَأيْتُ الهَجرَ ضَرْبَةَ لازِبٍ
- يَوْماً، رَأيتُ الصّبرَ ضَرْبةَ لازِبِ
- وَشَمَائِلِ الحَسَنِ بنِ وَهْبٍ، إنّها
- في المَجدِ ذاتُ شَمائِلٍ وَجَنَائِبِ
- لِيُقَصّرَنّ لَجَاجُ شَوْقٍ غالب،
- وَلْيُقْصَرَنّ لَجَاجُ دَمْعٍ سَاكِبِ
- فالعَزْمُ يَقْتُلُ كُلّ سُقْمٍ قَاتِلٍ،
- وَالبُعْدُ يَغْلِبُ كُلّ وَجْدٍ غالِبِ
- ولَقَدْ بَعَثْتُ العِيسَ تَحمِلُ هِمّةً
- أنضَتْ عَزَائمَ أرْكْبٍ وَرَكائِبِ
- يُشْرِقْنَ باللّيْلِ التّمَامِ، طَوَالِعاً
- مِنْهُ على نَجْمِ العرَاقِ الثّاقِبِ
- يَمْتُتْنَ بالقُرْبَى إلَيْهِ، وعِندَه
- فِعْلُ القَرِيبِ، وَهُنّ غَيرُ قَرَائِبِ
- وَإذا رَأيْتُ أبَا عَليٍّ، فَالعلا
- لمَشَارِقٍ مِنْ سَيْبِهِ، وَمَغارِبِ
- يبْدُو، فَيعِربُ آخِرٌ عَنْ أوّلٍ
- مِنْهُ، وَيُخبر شَاهدٌ عن غائِبِ
- بِطَرَائِقٍ كَطَرَائِقٍ، وخَلائِقٍ
- كَخَلائِقٍ، وَضَرَائِبٍ كَضَرَائِبِ
- وَمَوَاهِبٍ كَعْبِيّةٍ وَهْبِيّةٍ
- يُوجِبْنَ في الإفْضال فَوْقَ الوَاجبِ
- يَعْلُو على عَلَةٍ بِوَفْدِ أُبُوّةٍ،
- يُتَوَهّمُونَ هُنَاكَ وَفْد َكَوَاكِبِ
- كَانُوا بذاكَ عُصَابَةً كَعَصَائِبٍ
- في مَذحِجٍ، وَذُؤابَةً كَذَوَائِبِ
- وَأرَى التّكَرّمَ، في الرّجال، تَكَارُماً،
- ما لمْ يَكُنْ بِمَنَاسِبٍ وَمَنَاصِبِ
- يَرْمي العَوَاذِلُ في النَّدى مِنْ جانِبٍ
- عَنْهُ، وَيَرْمِيهِ النَّدَى مِنْ جانِبِ
- حتّى يَرُوحَ مُتَارِكاً كَمُعَارِكٍ
- بجَميعِهِ، وَمُسالِماً كمُحارِبِ
- قَهَرَ الأُمُورَ بَديهَةً كَرَوِيّةٍ
- مِنْ حازم، وَقَرِيحَةً كَتَجارِبِ
- كل الخُطوبُ، وَقد خَطَبنَ لِقاءَهُ،
- فَرَجَعْنَ في إخفاقِ ظَنٍّ خَايِبِ
- هُتِكَتْ غَيَابَتُها بأبْيَضَ مَاجِدٍ،
- فكَأنّمَا هُتِكَتْ بأبْيَضَ قَاضِبِ
- فَهْمٌ أرقُّ مِنَ الشّرَابِ، وَفِطْنَةٌ
- رَدّتْ أقاصِي الغَيْبِ رَدَّ الهَارِبِ
- وَمَكَارِمٌ مَعْمُورَةٌ بِصَنَائِعٍ،
- فَكَأنّهَا مَمْطُورَةٌ بسَحَائِبِ
- وَغَرَائِبٌ في الجُودِ، تَعْلَمُ أنّهَا
- مِنْ عالِمٍ، أوْ شاعرٍ، أوْ كاتِبِ
- لله أنْتَ، وأنْتَ تُحرِزُ وَاهباً
- سَبْقَينِ: سَبْقَ مَحاسِنٍ وَمَوَاهبِ
- في تَوْبَةٍ مِنْ تَائِبٍ، أوْ رَهْبَةٍ
- مِنْ رَاهبٍ، أوْ رَغبَةٍ مِنْ رَاغبِ
- أعْطَيْتَ سَائِلَكَ المُحَسَّدَ سُؤلَهُ،
- وَطَلَبْتَ بالمعرُوفِ غَيرَ الطّالِبِ
- عَلمتَني الطّلَبَ الشّرِيفَ، وَرُبّمَا
- كُنتُ الوَضِيعَ مِنِ اتّضَاعِ مَطالبي
- وَأرَيْتَني أنّ السّؤالَ مَحَلّةٌ،
- فيها اخْتِلافُ مَنَازِلٍ وَمَرَاتِبِ
- وَبَسَطْتَ لي قَبلَ النّوَالِ عِنَايَةً،
- بَسَطَتْ مَسَافَةَ لحظَيَ المُتَقَارِبِ
- وعرَفْتُ وِدّكَ في شَيعَتي تعصب،
- وَوُجُوهِ اخْوَاني وَعَطْفِ أقارِبي
- فَلَئِنْ شَكَرْتُكَ، إنّني لمُعَذَّرٌ
- في وَاجِبٍ، وَمُقَصِّرٌ عَنْ وَاجِبِ
المزيد...
العصور الأدبيه