الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> لولا تعنفني لقلت المنزل >>
قصائدالبحتري
لولا تعنفني لقلت المنزل
البحتري
- لَوْلاَ تُعَنّفُني لَقُلْتُ: المُنْزِلُ،
- مَعْنًى تُبَيِّنُهُ، وَمَغْنًى مُشْكِلُ
- وَبوَقْفَةٍ يَشْفِي غَلِيلَ صَبَابَةٍ،
- وَيَقُولُ صَبٌّ مَا أرَادَ وَيَفْعَلُ
- سَالَتْ مُقَدَّمَةُ الدّمُوعِ، وَخَلّفتْ
- حُرَقاً تَوَقَّدُ في الحَشَا، ما تَرحَلُ
- إنّ الفِرَاقَ، كَمَا عَلِمتَ، فخَلّني
- وَمَدَامِعاً تَسَعُ الفِرَاقَ، وَتَفْضُلُ
- إلاّ يَكُنْ صَبْرٌ جَميلٌ، فالهَوَى
- نَشْوَانُ يَجْمُلُ فيهِ مَا لاَ يَجمُلُ
- يا دارُ! لا زَالَتْ رُبَاكِ مَجُودَةً،
- منْ كلّ سَادِيَةٍ، تَعِلُّ وَتَنْهَلُ
- أَذْكَرْتِِنَا دُوَلَ الزّمَانِ وَصَرْفَهُ،
- وأرَيْتِنَا كَيْفَ الخُطُوبُ النُّزَّلُ
- أصَبَابَةً بِرُسُومِ رَامَةَ، بَعدَمَا
- عَرَفَتْ مَعَارَِفها الصَّبَا والشّمْألُ
- وَسألتُ مَنْ لا يَستَجِيبُ فكنتُ في اسْـ
- ـتِخْبَارِهِ كَمُجِيبِ مَنْ لا يَسألُ
- ألْيَوْمَ أُطْلِعَ للخِلاَفَةِ سَعْدُها،
- وأضَاءَ فيهاِ بَدْرُهَا المُتَهَلِّلُ
- لَبِسَتْ جَلاَلَةَ جَعْفَرٍ، فكَأنّها
- سَحَرٌ تَحَلَّلَهُ الصَّباحُ المُقْبِلُ
- جَاءَتْهُ طَائِعَةً، وَلَمْ يُهْزَزْ لَهَا
- رُمْحٌ، وَلَمْ يُشْهَرْ عَلَيْها مُنْصُلُ
- أنّى، وَقَدْ كَانتَ تّلَفُ نحوَهُ،
- مِنْ قَبلِ أنْ يَقَعَ القَضاءُ، فتُعقَلُ
- حتّى أتَتْهُ يَقُودُها استِحْقَاقُهُ،
- وَيَسُوقُهَا حَظٌّ إلَيْهِ مُقْبِلُ
- عَنْ بَيْعَةٍ، إلاّ تَكُنْ عَقِبِيّةً،
- فَهيَ التي رَضِيَ الكِتَابُ المُنْزَلُ
- لَمْ تَنْصَرِفْ عَنها النّفُوسُ وَلَم تَزِغْ
- فيها القُلُوبُ، وَلَم تَزِلّ الأرْجُلُ
- مَسَحُوا أكُفَّهُمُ بِكَفّ خَلِيفَةٍ،
- نَجَمَتْ بدَوْلَتِهِ، الحُقُوقُ الأُفَّلُ
- وَكَفَتْهُمُ الشّورَى شَوَاهِدُ أعرَبتْ
- عَن أمرِهِ، وَفَضِيلَةٍ مَا تَشْكُلُ
- فَكأَنَّما الدُّنْيَا هُنالِكَ رَوضَةٌ
- راحتْ جَوانِبُها تُراحُ وتُوبَلُ
- أو َمَا تَرَى حُسنَ الزّمانِ، وَمَا بَدا،
- وأعَادَ في أيّامِهِ المُتَوَكّلُ
- أشرَقْنَ حَتّى كَادَ يُقْتَبَسُ الدّجَى،
- وَرَطِبْنَ حَتّى كَادَ يَجْري الجَنْدَلُ
- مِنْ بَعْدِما اسوَدّ الزَّمانُ المُنْتَضَى
- فينا، وَجَفّ لَنا الثّرَى المُتَبَلّلُ
- ألله سَهّلَ بِالخَلِيفَةِ جَعْفَرٍ،
- مِنْ دَهْرِنَا، ما لمْ يَكُنْ يَتَسَهّلُ
- مَلِكٌ أذَلَّ المُعتَدينَ بِوَطْأةٍ،
- تَرْسُو على كَتِدِ النّفَاقِ، وَتَثْقُلُ
- إنْ كَلّ صَرْفُ الدّهْرِ لمْ يَكْلُل، وإن
- غَفِلَ الرّبيعُ، فَجُودُهُ لا يَغفُلُ
- نَفْسٌ مُشَيَّعَةٌ، وَرَأيٌ مُحصَدٌ،
- وَيَدٌ مُؤيَّدَةٌ، وَقَوْلٌ فَيصَلُ
- وَلَهُ، وإنْ غَدَتِ البِلادُ عَرِيضَةً،
- طَرْفٌ بأطْرافِ البِلاَدِ مُوَكَّلُ
- إسْلَمْ أمِيرَ المُؤمِنينَ لِسُنّةٍ
- أحْيَيْتَهَا، والنّاسُ حَيْرَى ضُلَّلُ
- وَرَعِيّةٍ أحْسَنْتَ رَعْيَ سَوَامِهَا،
- حتّى غَدَتْ والعَدْلُ فيها مَهْمُلُ
- ألله يَشكُرُ مِنْكَ سعْياً صَادِقاً
- في حِفْظِهَا، ثمّ النّبيّ المُرْسَلُ
- فَضْلُ الخَلائِفِ بالخِلاَفَةِ واقِفٌ
- في الرّتْبَةِ العُلْيَا، وَفَضْلُكَ أفضَلُ
- أَوفيت عَاشِرهُمْ، فإنْ نُدِبُوا إلى
- كَرَمٍ وإحْسَانٍ، فأنْتَ الأوّلُ
- وَغَدَوْتَ في بُرْدِ النّبيّ وَهَدْيِهِ
- تُرجَى لِحُكْمٍ قَاصِدٍ، وَتُؤمَّلُ
المزيد...
العصور الأدبيه