الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> لوت بالسلام بنانا خضيبا >>
قصائدالبحتري
لوت بالسلام بنانا خضيبا
البحتري
- لَوَتْ بالسّلامِ بَنَاناً خَضِيبا،
- وَلحظاً يَشُوقُ الفُؤَادَ الطّرُوبَا
- وَزَارَتْ عَلى عَجَلٍ، فاكتَسَى
- لزَوْرَتِهَا أبْرَقُ الحَزْنِ طِيبَا
- فَكَانَ العَبيرُ بِهَا وَاشِياً،
- وَجَرْسُ الحُلِيّ عَلَيْها رَقِيبا
- وأنَسَ لَيْلَتَنَا في العِنَا
- قِ لَفُّ الصِّبَا بِقَضِيبٍ قَضِيبَا
- سَكُوتٌ يَحِرُّ عَلَيْهِ الهَوَى
- وشَكوَى تَهيجُ البُكَا والنّحِيبا
- كمَا افتَنّتِ الرّيحُ في مَرّها،
- فَطَوْراً خُفُوتاً وَطَوْراً هُبُوبَا
- عَنَتْ كَبِدي قَسوَةٌ منكِ ما
- تَزَالُ تُجَدِّدُ فيهَا نُدُوبَا
- وَحُمّلْتُ عِندَكِ ذَنْبَ المَشِـ
- ـيبِ حَتّى كأنّي ابتَدَعتُ المَشِيبَا
- وَمَنْ يَطّلِعْ شُرَفَ الأرْبَعِيـ
- ـنَ يُحَيّي من الشَّيبِ زَوْراً غَرِيبا
- بَلَوْنَا صَرَائبَ مَنْ قَدْ نَرَى،
- فَمَا إنْ رَأيْنَا لفَتْحٍ ضَرِيبَا
- هُوَ المَرْءُ، أبْدَتْ لَهُ الحَادِثَا
- تُ عَزْماً وَشيكاً، وَرَأياً صَلِيبَا
- تَنَقّلَ في خُلُقَيْ سُؤدَدٍ
- سَمَاحاً مُرَجًّى، وبأساً مَهِيبَا
- فكالسّيفِ، إنْ جِئْتَهُ صَارِخاً،
- وَكالبَحْرِ إنْ جِئْتَهُ مُسْتَثِيبَا
- فتًى كَرّمَ الله أخْلاَقَهُ،
- وألبَسَهُ الحَمدَ غَضّاً، قَشِيبَا
- وأعطاهُ مِنْ كلّ فَضْلٍ يُعَدُّ
- حَظّاً، وَمِنْ كلّ مَجدٍ نَصِيبَا
- فَدَيْناكَ مِن أيّ خَطْبٍ عَرَا،
- وَنَائِبَةٍ أوْشَكَتْ أنْ تَنُوبَا
- وإنْ كَانَ رَأيُكَ قَد حَالَ فيّ،
- فَلَقّيتَني بَعدَ بِشْرِ قُطُوبا
- وَخَيّبْتَ أسْبَابيَ النّازِعَا
- تِ إلَيكَ، وَما حَقُّها أنْ تَخيبَا
- يُرَيّبُني الشيءُ تأتي بهِ،
- وأُكْبِرُ قَدْرَكَ أنْ أسْتَرِيبا
- وأكْرَهُ أنْ أتَمَادَى عَلى
- سَبيلِ اغْتِرَارٍ، فألقَى شَعُوبا
- أُكَذّبُ ظَنّي بأنْ قدْ سَخِطْـ
- ـتَ، وَمَا كنتُ أعهَدُ ظَنّي كَذُوبا
- وَلَوْ لم تكُنْ ساخِطاً لمْ أكُنْ
- أذُمُّ الزّمانَ، وأشكُو الخُطُوبا
- ولا بُدّ مِن لَوْمَةٍ أنْتَحِي
- عَلَيكَ بها، مُخطِئاً، أو مُصِيبَا
- أيُصْبِحُ وِرْديَ في سَاحَتَيْـ
- ـكَ طَرْقاً، وَمَرْعَايَ مَحْلاً جَديبَا
- أبِيعُ الأحِبّةَ بَيْعَ السّوَامِ،
- وآسَى عَلَيْهِمْ: حَبيباً حَبيبا
- فَفي كلّ يَوْمٍ لَنَا مَوْقِفٌ،
- يُشَقّقُ فيهِ الوَداعُ الجُيُوبَا
- وَمَا كَانَ سُخطُكَ إلا الفِرَاقَ،
- أفاضَ الدّموعَ، وأشجَى القُلُوبَا
- وَلَوْ كُنتُ أعرِفُ ذَنْباً لَما
- تخالَجَني الشكُّ في أنْ أتُوبا
- سأصْبرُ حتّى أُلاقي رِضَاكَ:
- إمّا بَعيداً، وإمّا قَرِيبَا
- أُرَاقِبُ رأيَكَ حَتّى يَصحُّ،
- وأنْظُرُ عَطْفَكَ حتّى يَثُوبا
المزيد...
العصور الأدبيه