الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> له الويل من ليل تطاول آخره >>
قصائدالبحتري
له الويل من ليل تطاول آخره
البحتري
- لَهُ الوَيْلُ مِنْ لَيْلٍ تِطَاول آخِرهْ،
- وَوَشْكِ نَوَى حَيٍّ تُزَمُّ أبَاعِرُهْ
- إذا كانَ وِرْدُ الدّمعِ بالنّأيِ أعوَزَتْ،
- بغَيرِ تَداني الحِلّتَينِ، مَصَادِرُهْ
- أدارَهُمُ الأُولى بِدارَةِ جُلْجُلٍ!
- سَقَاكِ الحَيَا رَوْحَاتُهُ وَبَوَاكِرُهْ
- وَجَاءَكَ يَحكي يوسُفَ بنَ مُحَمّدٍ،
- فَرَوّتْكِ رَيّاهُ، وَجادَكِ ماطِرُهْ
- عَلى أنّهُ، لَوْ شَاءَ رَبْعُكِ بَيّنَتْ
- مَعالِمُهُ للصّبّ أينَ تُمَاضِرُهْ
- وإنّي لَثَانٍ مِنْ عِنَانَي، فَسائِلٌ
- جآذِرَهُ، أينَ استَقَرّتْ جآذِرُهْ؟
- تَقَضّى الصّبَا، إلاّ خَيَالاً يَعُودُني
- بهِ ذو دَلالٍ، أحوَرُ الطَّرْفِ، فاترُهْ
- يَجُوبُ سَوَادَ اللّيل من عِندِ مُرْهَفٍ،
- ضَعيفِ قَوَامِ الخَصرِ سُودٍ غَدائرُهْ
- فيُذكِرُني العهدَ القَديمَ وَلَيْلَةً،
- لَدى سَمُرَاتِ الجِزْعِ إذ نامَ سامرُهْ
- وَعَهْداً أبَيْنَا فيهِ، إلاّ تَبايُناً،
- فَلا أنَا نَاسِيهِ، وَلاَ هُوَ ذاكِرُهْ
- رأيتُ أبا يَعقُوبَ، والنّاسُ ذو حِجًى
- يُؤمِّلُهُ، أوْ ذُو ضَلالٍ يُحاذِرُهْ
- هوَ المَلِكُ المَرجوُ للدّينِ والعُلا،
- فَلِلّهِ تَقْوَاه، ولِلْمَجدِ سائرُهْ
- لهُ البأسُ يخشَى، والسّماحةُ تُرْتَجى،
- فَلاَ الغَيثُ ثَانِيهِ، وَلاَ اللّيثُ عاشرُهْ
- وَقُورُ النّوَاحي، والنّدى يَستَخِفُّهُ
- لنَا، وأمِيرُ الشّرْقِ، والجُودُ آمرُهْ
- إذا وَقَعَتْ بالقُرْبِ مِنْهُ مُلِمّةٌ،
- ثَنَى طَرْفَهُ نَحْوَ الحُسَامِ يُشَاوِرُهْ
- إذا خَرِسَ الأبطالُ في حَمَسِ الوَغَى،
- عَلَتْ فَوْقَ أصْوَاتِ الحَديدِ زَماجرُهْ
- إذا التَهَبَتْ في لحظِ عَيْنَيْهِ غَضْبَةٌ،
- رأيْتَ المَنَايَا في النّفُوسِ تُؤامِرُهْ
- وَلاَ عِزّ للإشْرَاكِ مِنْ بَعدِ ما التَقَتْ
- على السّفحِ من عَليا طَرُونَ عَساكرُهْ
- وَلَيْسَ بِهِ ألاّ يَكُونَ مَرَامُهَا
- عَسيراً، ولَكِنْ أسلَمَ الغابَ خادِرُهْ
- وَمَا كَانَ بُقرَاطُ بنُ آشُوطَ عِندَهُ
- بأوّلِ عَبْدٍ، أوبقَتْهُ جَرَائرُهْ
- وَقد شاغَبَ الإسْلاَمَ، خَمسينَ حِجّة،
- فلا الخَوْفُ ناهيهِ، وَلا الحِلْمُ زَاجرُهْ
- وَلَمّا التَقَى الجَمعَانِ لمْ تَجتَمعْ لَهُ
- يَداهُ، وَلَمْ يَثبُتْ عَلى البيضِ ناظرُهْ
- وَلَمْ يَرْضَ من جَرْزَانَ حِرْزاً يُجِيرُهْ،
- وَلاَ في جِبَالِ الرّومِ رَيْداً يُجاوِرُهْ
- فَجَاءَ مَجيءَ العَيْرِ قادَتْهُ حَيرَةٌ
- إلى أهرَتِ الشّدقَينِ تَدمى أظافِرُهْ
- وَمَنْ كَانَ في استِسْلاَمِهِ لائِماً لَهُ،
- فإنّي عَلى ما كانَ مِنْ ذَاكَ عاذِرُهْ
- وَكَيفَ يَفُوتُ اللّيثَ في قيدِ لحظَةٍ،
- وَكَانَ عَلى شَهْرَيْنِ، وَهوَ مُحَاصِرُهْ
- تَضَمّنَهُ ثِقلُ الحَديدِ، فأُحكِمَتْ
- خَلاخِلُهُ مِنْ صَوْغِهِ، وأسَاوِرُهْ
- فإنْ أدْرَكَتْهُ بالعِرَاقِ مَنِيّةٌ،
- فَقاتِلُهُ، عِندَ الخَليفَةِ، آسِرُهْ
- بتَدْبِيرِكَ المَيمونِ أُغْلِقَ كَيْدُهُ
- عَلَيْهِ، وَكَلّتْ سُمرُهُ وَبَوَاتِرُهْ
- وَطَيِّكَ سِرّاً، لَوْ تَكَلّفَ طَيَّهُ
- دُجَى اللّيلِ عَنّا لَمْ تَسَعْهُ ضَمَائِرُهْ
- وَلَمْ يَبقَ بِطْرِيقٌ لَهُ مثلُ جُرْمِهِ
- بأَرّانَ، إلاّ عَازِبُ اللّبّ طائِرُهْ
- كَسَرْتَهُمُ كَسَرَ الزّجَاجَةِ بَعدَهُ،
- وَمَنْ يَجْبِرُ الوَهْيَ الذي أنتَ كاسرُهْ
- فإنْ يَكُ هذا أوّلَ النّقصِ فيهِمِ،
- وكنتَ لَهُمْ جاراً، فَما هو آخِرُهْ
- وَمَا مُسْلِمُ الثّغْرِ، المُعَانِدِ رَبَّهُ،
- بِنَاءٍ عن الكأسِ، التي اشتَفّ كافرُهْ
- وَقَدْ عَلِمَ العاصي، وإنْ أمعَنَتْ بهِ
- محَلّتُهُ في الأرْضِ، أنّكَ زَائِرُهْ
- حُسَامٌ، وَعَزْمٌ كالحُسامِ، وَجَحْفَلٌ
- شِدادٌ قُوَاهُ، مُحصدَاتٌ مَرَائِرُهْ
- قَليلُ فُضُولِ الزّادِ، إلاّ صَوَاهلاٌ
- ظَهَارِيُّ طَعْنٍ، أوْ حَديداًٌ يُظاهِرُهْ
- إذا انْبَتّ في عَرْضِ الفَضَاءِ فمَذحِجٌ
- مَيامِنُهُ، والحَيُّ قَيسٌ مَيَاسِرُهْ
- تهول الصدور الهائلات سليمة
- واعصره في السابغات وعامرة
- أمَعشَرَ قَيسٍ، قَيسِ عَيلانَ، إنّكُمْ
- حُماةُ الوَغَى، يوْمَ الوَغى، وَمَساعِرُهْ
- عَجِلْتُمْ إلى نَصْرِ الأميرِ، وَلَمْ يَزَلْ
- يُوَالَى مُوَالِيهِ، ويُنْصَرُ ناصِرُهْ
- وإنْ يَكثُرِ الإحْسانُ مِنكُمْ، فإنّهُ
- بأنْعُمِهِ جازٍ عَلَيْهِ، وَشَاكِرُهْ
- غَدا قِسْمَةً عَدْلاً، فَفيكُمْ نَوَالُهُ،
- وَفي سَرْوِ نَبْهَانَ بنِ عَمْروٍ مآثِرُهْ
- وَلاَ عَجَبٌ إنْ تَشهَدوا الطّعنَ دونَهُ،
- وَمَا عَشَرَتْكُمْ في نَداهُ عَشائِرُهْ
- وَلَوْ لمْ تَكُنْ إلاّ مَساعيكُمُ التي
- يَقُومُ بها، بينَ السّماطَينِ، شاعرُهْ
المزيد...
العصور الأدبيه