الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> لما وصلت أسماء من حبلنا شكر >>
قصائدالبحتري
لما وصلت أسماء من حبلنا شكر
البحتري
- لِمَا وَصَلَتْ أسماءُ مِنْ حَبلِنَا شكرُ،
- وإنْ حُمّ بالبَينِ الذي لمْ نُرِدْ قَدْرُ
- إذا ما استَقَلّتْ زَفْرَةٌ لِفِرَاقِهِمْ،
- فَمَا عُذْرُها ألاّ يَضِيقَ بها الصّدْرُ
- نَصِيبيَ مِنْ حُبّيكِ أنّ صَبَابَةً
- مُبَرِّحَةً تَبرِي العِظَامَ، وَلاَ تَبرُو
- وَتَحْتَ ضُلُوعي، من هَوَاكِ، جَوانحٌ
- مُحَرَّقَةٌ، في كُلّ جَانِحَةٍ جَمرُ
- وَقَدْ طَرَفَتْ عَيناكِ عَينيّ، لا قَذًى
- أصَابَهُمَا مِنْ عِندِ عَيْنَيْكِ بل سِحرُ
- وِصَالٌ سَقَاني الخَبَلَ صِرْفاً فلم يكنْ
- ليَبْلُغَ مَا أدّتْ عَقَابِيلُهُ الهَجْرُ
- وَبَاقي شَبَابٍ في مَشيبٍ مُغَلَّبٍ،
- عَلَيهِ اختِتَاءُ اليَوْمِ يُكثِرُهُ الشّهرُ
- وَلَيسَ طَليق مَنْ رَاِحُ، أوْ غَدَا
- يَسُومُ التّصَابي، والمَشيبُ لَهُ أسرُ
- تَطاوَحَني العَصرَانِ في رَجَوَيْهِما،
- يُسَيّبُني عَصْرٌ، وَيُعْلِقُني عَصْرُ
- مَتَاعٌ مِنَ الدّهْرِ استَجَدّ بجِدّتي،
- وأعظَمُ جُرْمِ الدّهْرِ أن يَمتَعَ الدّهرُ
- سَتَرْتُ على الدّنيا، وَلَوْ شئتُ لم يكنْ
- على عَيبِها، من نحوِ ذي نَظَرٍ، سِترُ
- وَخادَعتُ رأيي إنّما العَيشُ خِدعةٌ
- لرَأيِكَ تَستَدعي الجَهَالَةَ أوْ سُكرُ
- وَما زِلْتُ مُذْ أيسَرْتُ أسمُو إلى التي
- يرَادُ لَهَا، حتّى يسادَ به اليسرُ
- إذا ما الفتى استَغنى فلَمْ يُعطِ نَفْسَهُ
- تَعَلّيَ نَفْسٍ بالغِنَى، فالغِنَى فَقْرُ
- ويَرْثي لبَعضِ القَوْمِ من بَعضِ مالِهِ
- إذا ما اليَدُ الملأى شأتها اليَدُ الصِّفْرُ
- أرَقّتْ جِنَايَاتُ المُضَلِّلِ ثَرْوَتي،
- فَلا نَشَبٌ بَعدَ العَبيدِ، وَلاَ وَفْرُ
- وَقَدْ زَعَمُوا مِصْرٌ مَعَانٌ من الغِنَى،
- فكَيْفَ أسَفّتْ بي إلى عَدَمِ مِصْرُ
- سَيَجبِرُ كَسرِي المِصْقَلِيّونَ إنّهمْ
- بهِمْ تُدْفَعُ الجُلّى، وَيُجْتَبَرُ الكسرُ
- فَمَا تَتَعَاطَى ما يَنَالُونَهُ يَدٌ،
- ولاَ يَتَقَصَّى ما يَنيلُونَهُ شُكْرُ
- عَرِيقُونَ في الإفْضَالِ يُؤتَنَفُ النّدى
- لناشِئِهِمْ مِنْ حَيثُ يُؤتَنَفُ العمرُ
- إذا تَجرُوا في سُؤدَدٍ، وَتَزَايَدُوا،
- فأنْفَقُ ما أبضَعتَ عندَهُمُ الشّعْرُ
- يجازَى القَوَافي بالأيَادي مَبَرّةً،
- تَضَاعِيفُها، في كُلّ وَاحدَةٍ، عَشرُ
- غَدَوْا عَبِقي الأكْنافِ تأرَجُ أرْضُهمْ
- بطيبِ ثَنَاءٍ، ما يُوَازيُ بهِ العِطْرُ
- وَمَا سَوّدَ الأقْوَامَ مِثْلُ عُمَارَةٍ،
- إذا نُسِيَ الأقْوَامُ شَاعَ لَهُ ذِكْرُ
- تَجَنّبْ سِرَاهُمْ للعُلا واتّبغائِها،
- بسَعيٍ، وَعَرّسْ حَيثُ أدرككَ الفَجرُ
- فَما لكَ في أطوَادِ تَغْلِبَ مُرْتَقًى،
- وَلاَ منكَ في حَوْزٍ جَماجمُها الكُبرُ
- وَقدْ مُليَتْ فَخراً رَبيعَةُ أنْ سَعَى
- لَهَا مِنْ سَوَى بَكرِ بنِ وائِلِها بَكرُ
- وَمَا أشرَفَ البَكرَينِ مَنْ لمْ يَكُنْ لَهُ
- حَبيبٌ أبَا يَوْمَ التّفَاضُلِ، أوْ عَمرُو
- وَيَحمِلُ عَنّا الخُضرُ خضرُ بنُ أحمدٍ
- منَ المَحلِ عِبئاً لَيسَ يَحمِلُهُ القَطرُ
- بِغَزْرِ يَدٍ مِنْهُ تَقُولُ تَعَلّمَتْ
- يَدُ الغَيْثِ مِنْهَا، أوْ تَقَيّلَها البحرُ
- وَكَمْ بَسَطَ الخُضرُ بنُ أحمدَ غايَةً
- منَ المَجْدِ، لا يَقفُو مَسافَتِها الخُضرُ
- لَهُ الفَعَلاتُ، الدّهرُ أقطَعُ دونَهَا،
- أشَلُّ، وَظَهرُ الأرْضِ من مثلِها قَفْرُ
- مُقيمٌ عَلَى نَهْجٍ مِنَ الجُودِ واضِحٍ،
- وَنَحْنُ إلى جَمّاتِ نَائِلِهِ سَفْرُ
- يُدَنّي لَنَا الحَاجَاتِ، مَطْلَبُها نوًى
- شَطُونٌ، وَمأتاها، على نأيها، وَعْرُ
- مُضِيءٌ، يَنُوبُ اليسرُ عن ضَحِكَاتِهِ،
- وَلا رَيْبَ في أنّ العُبُوسَ هوَ العُسْرُ
- ولو ضمن المعروف طي صحيفة
- تكاد عليه كان عنوانها البشر
- فَتًى، لا يُرِيدُ الوَفْرَ إلاّ ذَخِيرَةً
- لمأثُرَةٍ تُرْتَادُ، أوْ مَغرَمٍ يَعْرُو
- وأكثَرُهُمْ يَهوَى الإضَاقَةَ كَيْ يَرَى
- لَهُ، في الذي يأتيهِ مِنْ طَبَعٍ، عُذْرُ
- رَبيعٌ تُرَجّيهِ رَبيعَةُ للغِنَى،
- وتبكر إتباعا لأبوابه بكر
- وَمَا زَالَ من آبَائِهِ وَجُدُودِهِ،
- لهْ أنجُمٌ، في سَقْفِ عَليائِهم، زُهْرُ
- أبَا عَامِرٍ إنّ المَعَالي وأهلَهَا
- يَوَدّونَ وِدّاً أنْ يَطُولَ بكَ العُمرُ
- إذا جِئتُمُ أُكْرُومَةً تَبْهَرُ الوَرَى،
- فَما هيَ بِدْعٌ من عُلاكمْ، وَلاَ بِكرُ
- وأكرومة جلى أبو الصقر طامحاً
- إليها كما جلى طريدته الصقر
- يجاوزها المغمور لا يثني لها
- بعطف وينحو نحوها النابه الغمر
- متى جئتموها أو دعيتهم لمثلها
- فما هي من بكر بن وائلكم بكر
- إذا نَحنُ كافأناكُمُ عَنْ صَنيعَةٍ،
- إنِفنا، فلا التّقصِيرُ منّا، وَلا الكُفْرُ
- بمَنْقُوشَةٍ نَقْشَ الدّنانيرِ، يُنْتَقَى
- لَهَا اللّفْظُ مُختاراً، كمَا يُنتَقَى التّبْرُ
- تَبيتُ أمَامَ الرّيحِ مِنها طَليعَةٌ،
- وَغُدْوَتُها شَهْرٌ، وَرَوْحَتُها شَهرُ
- تُقَضّى دُيُونُ المُنْعِمِينَ، وَيُقتَنَى
- لَهُمْ منْ بَوَاقِي ما أعاضَتهُمُ فَخْرُ
المزيد...
العصور الأدبيه