الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> لأية حال أعلن الوجد كاتمه >>
قصائدالبحتري
لأية حال أعلن الوجد كاتمه
البحتري
- لأَيَّةِ حالٍ أَعْلَنَ الوَجْدَ كاتِمُهْ،
- وَأقْصَرَ، عَنْ داعي الصَّبَابَةِ، لائِمُهْ
- تَوَلّى سَحابُ الجُودِ تَرْقَا سُجُومُه،
- وَجادَ سَحابُ الدّمعِ تَدمى سوَاجِمُهْ
- أرَى خَصْمَنا يا وَهْبُ أصْبحَ حاكماً
- علَينا، فَما نَدرِي إلى مَن نُحاكمُهْ
- إذا طِبْتُ نَفساً بالسّلامَةِ، رَدّني
- إلى الحُزْنِ دَهرٌ لَيسَ يَسلَمُ سالمُهْ
- مُعَافَاتُهُ طَوْراً، وَطَوْراً بَلاؤهُ،
- كَمَا بَرْدُهُ مَرًّا، وَمَرّاً سَمَائِمُهْ
- وَما صِرْتُ حَرْبَ الدّهرِ حتّى أضَاءَ لي
- تَحَامُلُهُ الأوْفَى على مَنْ يُسالمُهْ
- أيا ناشِدَ الإحْسانِ أقَوَتْ نُجُودُهُ،
- وَيا ناشِدَ الإسْلامِ أقْوَتْ تَهَائِمُهْ
- وَيا ناعيَ المَعرُوفِ أسمَعتَ طَالِباً،
- فأكدَى، وَمَطلُوباً، فأسلَمَ جارِمُهْ
- رُزِئْنَا النّدَى الرَّبْعيَّ، حينَ تَهَلّلتْ
- بَوَارِقُهُ، وَجَادَنَا مُتَرَاكِمُهْ
- خَليجٌ منَ البَحرِ انبرَى، فانبرَى لَهُ
- قَضَاءٌ أبَى أنْ تَستَبِلّ حَوَائِمُهْ
- وَغُصْنُ رَسُولِ الله دَوْحَتُهُ التي
- لها حُسنُهُ لوْ دامَ في الأرْضِ دائِمُهْ
- وَما يَوْمُهُ يَوْمٌ، وَلَكِنْ مَنيّةٌ،
- تَوَافَى حَديثُ الدّهرِ فيها وَقادِمُهْ
- فلَمْ تَستَطِعْ دَفعَ المَنُونِ حُماتُهُ،
- وَلمْ تَستَطِعْ دَفعَ الحِمَامِ تَمَائِمُهْ
- لَهَانَ عَلَيْهِ المَوْتُ لوْ كانَ عسكرَاً
- يُلاقيهِ، أوْ خَصْماً ألَدّ يُخَاصِمُهْ
- فَعَادَ النّهَارُ الجَوْنُ جَوْناً، كأنّما
- تَجَلّلَهُ مِنْ مُصْمَتِ اللّيلِ فاحمُهْ
- مُصَابٌ كأنّ الجَوّ يُعنَى بِبَعْضِهِ،
- فَمَا يَنجَلي في نَاظِرِ العَينِ قائِمُهْ
- وَثُكْلٌ، لوَ أنّ الشّمسَ تُمنى بحرّه
- لأحْرَقَها في جانبِ الأُفقِ جاحِمُهْ
- وَدَمعٌ، متى أسكُبْهُ لا أخشَ لائِماً،
- وَلَوْ أنّني مِمّا تَفيضُ هَزَائِمُهْ
- وَقَبرٌ حَمَاهُ الجُودُ أنْ تَنسجَ الصَّبَا
- عَلَيهِ، وَأنْ تَعفُو عَلَيْها مَعالمُهْ
- سَقَتْهُ يَدَا ثاوِيهِ، حتى تَوَاصَلَتْ
- بِنُوّارِها كُثْبَانُهُ وَصَرَائِمُهْ
- كَذَبْنَاهُ لمْ نَجزَعْ عَلَيْهِ، وَلم تقُم
- مَآتِمُنَا لَمّا أُقِيمَتْ مَآتِمُهْ
- عَجبتُ لأيْدٍ أجدَرَتْهُ، فلَم تَقُمْ
- رَمائِمُ في حَيثُ استَقَرّتْ رَمائِمُهْ
- أما وَأبي النّعشُ الخَفيفُ لقَد حوَتْ
- مَآخيرُهُ ثِقْلَ العُلاَ، وَمَقَادِمُهْ
- بَنى صَالحٌ سُوراً على آلِ صَالحٍ،
- تَحَيّفَ مِنْ عِزّ الخِلافَةِ هَادِمُهْ
- لَئِنْ بَانَ مِنّا جُودُهُ وَسَمَاحُهُ،
- لَقَدْ بَانَ مِنْهُمْ مَجدُهُ وَمَكَارِمُهْ
- أبَا حَسَنٍ، وَالصّبرُ مَنكِبُ مَن غدا
- على سَنَنٍ، وَالحَادِثاتُ تُزَاحِمُهْ
- وَلَوْلا التّقَى لمْ يَرْدُدِ الدّمْعَ رَبُّهُ،
- وَلَوْلا الحِجَى لم يكظُمِ الغَيظَ كاظمُهْ
- تَعَزَّ، فإنّ السّيفَ يَمضِي، وَإنْ وَهتْ
- حَمَائِلُهُ عِنْهُ وَخِلاّهُ قائِمُهْ
- هُوَ الدّهْرُ يَستَدعي الفَنَاءَ بَقَاؤهُ
- عَلَينا، وَتَأتي بالعَظيمِ عَظائِمُهْ
- تَعَثّرَ في عادٍ، وَكانَ طَرِيقُهُ
- على لُبَدٍ، إذْ لمْ تُطِعْهُ قَوَادِمُهْ
- وَغَادَرَ إيوَانَ المَدائِنِ غَدْرُهُ
- بكِسرَى بنِ ساسانٍ، ترِنُّ حَمائمُهْ
- وَمِنْ إرْثِكُمْ أعطَتْ صَفيّةُ مُصْعَباً
- جَميلَ الأسَى لمّا استُحلّتْ مَحارِمُهْ
- وَثُكلُ ابنِهِ مُوفٍ على ثُكلِ نَفسِهِ،
- فَما كانَ إلاّ صَبرُهُ وَعَزَائِمُهْ
- وَعُرْوَةُ، إذْ لا رِجْلُهُ انصَرَفَتْ به
- وَقَدْ خَرَمَتْ عَنهُ بنيهِ خَوَارِمُهْ
- بكَى أقرَبوهُ شَجوَهُ، وَهوَ ضَاحكٌ
- يَعِزِّيِهِمْ، حتّى تَحَيّرَ ذائِمُهْ
- وَمَنْ جَهِلَ الأمْرَ الذي هُوَ غَايَةٌ
- لِمَبْدَائِنَا هَذا، فإنّكَ عَالِمُهْ
- وَيَظْلِمُكَ المَوْتُ الغَشومُ فترْتدِِي
- بعزّ الأسَى، حتّى كأنّكَ ظالِمُهْ
- كَبيرٌ لدَي الزُّرْءِ الكَبيرِ، وَإنّمَا
- على قَدْرِ جِرْمِ الفيلِ تُبنَى قَوَائمُهْ
- إذا شئتَ أنْ تَستَصْغرَ الخَطبَ فالتفتْ
- إلى سَلَفٍ بالقَاعِ، أُهْمِلَ نَائِمُهْ
- وَفيهِ النّبيُّ المُصْطَفَى، وَعَلِيُّهُ،
- وَعَبّاسُهُ، وَجَعْفَرَاهُ، وَقاسِمُهْ
- وَإنْ يَكُ أضْحَى للمَنيّةِ هَاشِمٌ،
- فأُسْوَتُهُ فيها، وَفي المَجدِ هاشِمُهْ
المزيد...
العصور الأدبيه