الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> كيف به والزمان يهرب به >>
قصائدالبحتري
كيف به والزمان يهرب به
البحتري
- كَيْفَ بِهِ، وَالزّمانُ يَهْرُبُ بِهْ،
- ماضِي شَبابٍ، أغذَذتُ في طلَبِهْ
- مُقترِبُ العَهْدِ، إنْ أرُمْهُ أجِدْ
- مَسافَةَ النّجمِ، دونَ مُقترَبِهْ
- يَرْفَضُّ عَن ساطعِ المَشيبِ كما ارْ
- فَضّ دُخانُ الضّرَامِ عَن لَهَبِهْ
- قد دأبَ العاذِلُ اللّجوجُ، فلَمْ
- أُصِغْ لفَرْطِ الإكْثارِ من دَأَبِهْ
- إن كان صدق الحديث يحزنني
- فعاطني ما يسر من كذبه
- دامَجْتُهُ القَوْلَ في مُعَاتَبَةٍ،
- أهْرُبُ مِنْ صِدْقِهِ إلى كَذِبِهْ
- رأيكَ في قَارِبٍ يُرِيدُكَ أنْ
- تَنْصُرَ أحْشَاءَهُ عَلى قُرُبِهْ
- صَبٌّ تُداوِيهِ مِنْ صَبَابَتِهِ،
- أوْ وَصِبٌ تَفْتَديهِ مِنْ وَصَبِهْ
- وَقَدْ يُرِيني الحَبيبُ مُبْتَسَماً،
- يُرْوَى غَليلُ الهَيمانِ عَنْ شَنَبِهْ
- بَرْدُ رُضابٍ، إذا تَرَشّفَهُ المَتْـ
- ـبُولُ خَالَ الضّرِيبَ في ضَرَبِهْ
- أضِيعُ في مَعْشَرٍ، وَكَمْ بَلَدٍ
- يُعَدُّ عُودُ الكِبَاءِ مِنْ حَطَبِهْ
- لَنْ يَنْصُرَ المَجدَ حَقَّ نُصرَتِهِ
- إلاّ المَكينُ المَكانِ من رُتَبِهْ
- يُخْدَعُ عَنْ عِرْضِهِ البَخِيلُ، وَلا
- يُخدَعُ، وَهْوَ الغَبِيُّ، عَنْ نَشَبِهْ
- أوْثَقُ مَنْ تَصْطَفي عُرَاهُ، فإنْ
- حَلّ بَعيداً، شروااكَ في حَسَبِهْ
- لا يُصرَمُ المُحدَثُ الكَهَامُ، وإنْ
- أخْلَصَهُ الهالِكيُّ مِنْ جَرَبِهْ
- نَنْسَى أيادي الزّمانِ فينَا، فَمَا
- نَذْكُرُ مِنْ دَهْرِنا سِوَى نُوَبِهْ
- هَلاّ شَكَرْنا، الأيّامَ، جُودَ أبي
- عِيسَى، وَمَا قَد أرَتْهُ من عَجَبِهْ
- يَبْتَدِرُ الرّاغِبُونَ، مِنْ يَدِهِ،
- َوقائعَ الغَيْثِ غِبَّ مُنْسَكَبِهْ
- يَغْشَوْنَ جَمّاتِهَا، كأنّهُمُ
- نُزّاعُ جَوٍّ يَسنُونَ مِنْ قُلُبِهْ
- كأنّما يَفْصِلُونَ مِنْ فَلَقِ الحَرّ
- ةِ ما يَفْصِلُونَ مِنْ ذَهَبِهْ
- تُبرَمُ في جِدّهِ الأُمُورُ، وَقَدْ
- تَتْوَى رِقَابُ الأمْوَالِ في لَعِبِهْ
- والحَمْدُ لا يَكْتَسِيهِ غَيرُ فتًى،
- يَنْزِعُ فيهِ الخَطيرُ مِنْ سَلَبِهْ
- أسْرِعْ عُلُوّاً في المَكْرُمَاتِ، كَمَا
- أسرَعَ فَيضُ الأتيِّ في صَبَبِهْ
- يُنْزِلُ أهْلَ الآدابِ مَنْزِلَةَ الـ
- أكْفَاءِ، إنْ شارَكُوهُ في أدَبِهْ
- لمْ يَزْهُهُ فيْهُمُ، وَهُمْ سُوَقٌ
- في العَيْنِ، وَطْءُ الملوكِ في عَقِبِهْ
- غَيْرُ المُضِيعِ النّاسِي وَلا الوَكَلُ الـ
- ـمُحُيلُ في عِلْمِهِ عَلى كُتُبِهْ
- إحَاطَةٌ بالصَّوَابِ تُؤمَنُ مِنْ
- لَجاجِهِ في المَحَالِ، أوْ شَغَبِهْ
- لا يَهْضِمُ العُجْمُ مِنْ خُؤولَتِهِ
- تَمَايُلاً للعمُومِ مِنْ عَرَبِهْ
- تَزْدادُ أُكْرومَةً أُبُوّتُهُ،
- إذا اعْتَزَى شاهِداً إلى غَيَبِهْ
- وَخَيْرُ ساداتِكَ الأكابِرِ مَنْ
- يَرْفَعُهُ الإرْتِفَاع في نَسَبِهْ
- جَمَعْتُ شَمْلي إلَيْهِ، مُتّخِذاً
- مِنْ طُنُبي قُرْبَةً إلى طُنُبِهْ
- وقد كفى نفسه التقدم من
- كفته أم الطريق من شهبه
- يَصُونُ مِنْهُ الحِجابُ مَنظَرَةً،
- تَبْدو بُدُوَّ الهِلالِ مِنْ حُجُبِهْ
- وقد تفوت الرائين غرته
- أعراس ليث العرين في أشبه
- لا نُعْدَمُ الطَّوْلَ في رِضَاهِ، وَلا
- نَخافُ حَيْفَ الغُلُوّ من غَضَبِهْ
- جَنّبَكَ الله ما تُحاذِرُ مِنْ
- أبْداءِ صَرفِ الزّمانِ، أوْ عُقَبِهْ
- أبَعْدَ إعْطَائِكَ الجَزِيلِ وإيمَا
- نِ مُرَجٍّ مِنْ سُوءِ مُنْقَلَبِهْ
- أبْغِي شَفيعاً إليْكَ، أوْ سَبَباً
- عِنْدَكَ في النّاسِ أسْتَزِيدُكَ بهْ
- والظُّلْمُ أنْ يَبْتَغي الفَتى سَبَباً
- يَجْعَلُهُ وَصْلَةً إلى سَبَبِهْ
المزيد...
العصور الأدبيه