الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> قل للسحاب إذا حدته الشمأل >>
قصائدالبحتري
قل للسحاب إذا حدته الشمأل
البحتري
- قُلْ للسّحابِ، إذا حَدَتْهُ الشّمألُ،
- وسَرَى بلَيْلٍ رَكْبُهُ المُتَحَمِّلُ
- عَرّجْ عَلى حَلَبٍ، فَحَيِّ مَحَلّةً
- مأنُوسَةً فيها لِعَلْوَةَ مَنْزِلُ
- لغُرَيْرَةٍ، أدْنُو وَتَبْعَدُ في الهَوَى،
- وأجُودُ بالوُدّ المَصُونِ، وَتَبْخُلُ
- وَعَلِيلَةِ الألحَاظِ، نَاعِمَةِ الصّبَا،
- غُرِيَ الوُشَاةَ بِهَا، وَلَجّ العُذّلُ
- لا تَكذِبِنّ، فأنتِ ألطَفُ في الحَشا
- عَهْداً، وأحْسَنُ في الضّمِيرِ وأجملُ
- لوْ شِئتِ عُدْتِ إلى التّناصُبِ في الهَوَى،
- وَبَذَلْتِ مِنْ مَكْنُونِهِ ما أبْذُلُ
- أحْنُو عَلَيكِ، وفي فؤادي لَوْعَةٌ،
- وأصُدّ عَنكِ، وَوَجهُ وِدّي مُقبِلُ
- وإذا هَمَمْتُ بوَصْلِ غَيرِكِ رَدّني
- وَلَهٌ إلَيكِ، وَشَافِعٌ لكِ أوّلُ
- وأعِزُّ ثُمّ أذِلُّ ذِلّةَ عَاشِقٍ،
- والحُبّ فِيهِ تَعَزّزُ وَتَذَلّلُ
- إنّ الرّعِيّةَ لَمْ تَزَلْ في سِيرَةٍ
- عُمَرِيّةٍ، مُذْ سَاسَها المُتَوَكّلُ
- ألله آثَرَ بالخِلاَفَةِ جَعْفَرَاً،
- وَرَآهُ نَاصِرَهَا الذي لا يُخْذَلُ
- هيَ أفضَلُ الرُّتَبِ، التي جُعِلَتْ لَهُ
- دُونَ البَرِيّةِ، وَهوَ مِنْهَا أفضَلُ
- مَلِكٌ، إذا عَاذَ المُسِىءُ بِعَفْوِهِ،
- غَفَرَ الإسَاءَةَ، قَادِراً لا يَعْجَلُ
- وَعَفَا كَمَا يَعْفُو السّحابُ، ورَعْدُهُ
- قَصْفٌ، وَبَارِقُهُ حَرِيقٌ مُشْعَلُ
- يَتَقَبّلُ العَبّاسُ عَمَّ مُحَمَّدٍ،
- وَوَصِيَّهُ، فِيمَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ
- شَرَفٌ خُصِصْتَ بِهِ، وَمَجْدٌ باذخٌ،
- مُتَمَكّنٌ فَوْقَ النّجُومِ، مُؤثَّلُ
- فَهَل الرُّوَافِضُ نَاقِِصُوكَ قُلاَمَةً
- إِنْ غَيَّرُوا بِضَلالِهِمْ أَو بَدَّلُوا
- لَنْ يَسْتَطِيعُوا نَقْلَ حَظِّكَ بَعْدَ ما
- أَرْسَى بهِ قُدْسٌ وخَيَّمَ يَذْبُلُ
- لا يَعْدَمَنْكَ المُسْلِمُونَ، فإنّهُمْ
- في ظِلّ مُلْكِكٍ أدْرَكُوا ما أمّلوا
- حَصّنتَ بَيضَتَهُمْ، وَحُطتَ حَرِيمَهُم،
- وَحَمَلتَ من أعبَائِهِمْ ما استَثْقَلُوا
- فَادَيْتَ بالأسرَى، وَقَدْ غَلِقُوا، فَلاَ
- مَنٌّ يُنَالُ، وَلاَ فِداءٌ يُقْبَلُ
- وَرَأيتَ وَفْدَ الرُّومِ، بَعْدَ عِنَادِهِمْ،
- عَرَفُوا فَضَائِلَكَ، التي لا تُجهَلُ
- نَظَرُوا إلَيْكَ، فَقَدّسوا، وَلَوَ أنّهُم
- نَطَقُوا الفَصِيحَ لَكَبّرُوا وَلَهَلّلُوا
- لحَظُوكَ أوّلَ لحظَةٍ، فاستَصْغَرُوا
- مَنْ كَانَ يُعظَمُ فيهِمِ، وَيُبَجَّلُ
- أحضَرْتَهُمْ حِججاً لوِ اجتُلِبَتْ بها
- عُصْمُ الجِبَالِ، لأقْبَلَتْ تَتَنَزّلُ
- وَرَأوْكَ وَضّاحَ الجَبينِ، كَمَا يُرَى
- قَمَرُ السّمَاءِ التَّمِّ، لَيلَةَ يكمُلُ
- حَضَرُوا السِّماطَ فكُلّما رَامُوا القِرَى
- مَالَتْ بِأيْديهِمْ عُقُولٌ ذُهَّلُ
- تَهْوِي أكُفُّهُمُ إلى أفْوَاهِهِمْ،
- فتََجُورُ عَن قَصْدِ السّبيلِ، وَتَعْدِلُ
- مُتَحَيِّرُونَ، فَباهِتٌ مُتَعَجّبٌ،
- مِمّا يَرىَ، أوْ نَاظِرٌ مُتَأمّلُ
- وَيَوَدُّ قَوْمُهُمُ الأولى بَعَثُوا بهمْ
- لَوْ ضَمّهُمْ بالأمْسِ ذاكَ المَحْفِلُ
- قَدْ نَافَسَ الغِيبَ الحُضُورُ على الذي
- شَهدوا، وَقَد حَسَدَ الرّسولَ المُرسِلُ
- عَجَّلْتَ رِفْدَهُمُ ،وأَفْضَلُ نَائِلٍ
- حُبِيَ الوُفودُ بهِ الهَنِيءُ الأَعْجَلُ
- فَالله أسْألُ أنْ تُعَمِّرَ صَالِحاً،
- وَدَوَامُ عُمْرِكَ خَيْرُ شيءٍ يُسألُ
المزيد...
العصور الأدبيه