الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> قليل لها أني بها مغرم صب >>
قصائدالبحتري
قليل لها أني بها مغرم صب
البحتري
- قَليلٌ لهَا أنّي بِهَا مُغرَمٌ صَبُّ
- وَإن لم يُقارِفْ غيرَ وَجدٍ بها القَلْبُ
- بذَلتُ الرّضَا حتّى تَصَرّمَ سُخطُها،
- وَللمُتَجَنّي، بَعدَ إرْضَائِه، عَتْبُ
- وَلمْ أرَ مثلَ الحُبّ صَادَ غُرُورُهُ
- لَبيبَ الرّجالِ، بَعدَ ما اختُبرَ الحُبُّ
- وَإنّي لأشْتَاقُ الخَيَالَ وأُكْثِرُ الـ
- ـزّيَارَةَ مِنْ طَيْفٍ، زِيارَتُهُ غِبُّ
- ومِنْ أينَ أصْبُو بَعدَ شَيبي، وبَعدَما
- تألّى الخَليُّ، أنّ ذا الشَّيبَ لا يَصْبُو
- أسَالِبَتي حُسْنَ الأسى، ومُخيفَتي
- على جَلَدي تِلكَ الصّرَائمُ وَالكُثبُ
- رَضِيتُ اتّحادي بالغَرَامِ، ولَمْ أُرِدْ
- إلى وَقْفَتي في الدّارِ أنْ يقِفَ الرّكبُ
- وَلَوْ كنتُ ذا صَحْبٍ عَشِيّةَ عَزّني
- تَحَدُّرُ دَمعِ العَينِ، عنّفني الصّحبُ
- لقَد قَطَعَ الوَاشِي بتَلفيقِ ما وَشَى
- منَ القَوْلِ، ما لا يقطعُ الصّارِمُ العَضْبُ
- فأصْبَحتُ في بَغدادَ لا الظّلّ وَاسعٌ؛
- وَلا العَيشُ ظِلٌّ غض غُضَارَتهِ، رَطبُ
- أأمْدَحُ عُمّالَ الطْساسيجِ رَاغِباً
- إلَيهمْ وَلي بالشّام مُستَمتَعٌ رَغْبُ
- فأيْهاتِ مِنْ رَكْبٍ يُؤدّي رِسَالَةً
- إلى الشّامِ، إلاّ أنْ تُحَمَّلَها الكُتبُ
- وعِندَ أبي العَبّاسِ، لَوْ كانَ دَانِياً،
- نَوَاحي الفِناءِ السّهلِ وَالكنَفُ الرّحبُ
- وَكَانَتْ بَلاءً نِيّتي عَنْهُ، وَالغِنى
- غِنى الدّهرِ، أدْنَى ما يُنَوَّلُ أوْ يحبو
- وَذو أُهَبٍ للحَادِثَاتِ بِمِثْلِها
- يُزَالُ الطخى عَنّا وَيُستَدفعُ الكَرْبُ
- سُيوفٌ لها في عُمرِ كلّ عِدًى رَدًى،
- وَخَيلٌ لها في دارِ كلّ عِدًى نَهبُ
- علَتْ فوْقَ بَغرَاسٍ، فضَاقتْ بما جنتْ
- صُدورُ رِجالٍ، حينَ ضَاقَ بها الدّرْبُ
- وَثَابَ إلَيْهِمْ رَأيُهُمْ، فَتَبَيّنُوا،
- على حينِ حال، أنّ مَرْكبَهم صَعبُ
- وكانوا ثمود الحجر حق عليهم
- وقوع العذاب والخصي لهم سقب
- تَحَنّى عَلَيْهِمْ، وَالمَوارِدُ سَهلَةٌ،
- وَأفرَجَ عَنهُمْ بعدَما أعضَلَ الخَطبُ
- ولو حضرته أنثياه استقلتا
- إلى كليتيه حين أزعجه الرعب
- فَما هُوَ إلاّ العَفْوُ عَمّتْ سَمَاؤهُ،
- أوِ السّيفُ عُرْيانَ المَضَارِبِ، لا يَنبُو
- وَما شَكّ قَوْمٌ أوْقَدوا نَارَ فِتْنَةٍ،
- وَسرْتَ إليهمْ، أنّ نارَهُمُ تَخبُو
- كأنّ لمْ يَرَوْا سيما الطّوِيلِ وَجَمعَهُ،
- وَما فَعَلَتْ فيهِ، وَفي جَمعِهِ الحرْبُ
- وخَارِجَ بَابِ البَحرِ أُسْدُ خفية،
- وَقد سدّ قُطرَيهِ، على الغَنَمِ، الزَّرْبُ
- تَحَيّرَ في أمْرَيْهِ، ثُمّ تَحَبّبَتْ
- إلَيهِ الحَياةُ، ماؤها عَلَلٌ سَكْبُ
- وَقد غَلُظَتْ دونَ النّجاةِ التي ابتَغى
- رِقابُ رِجالٍ، دونَ ما مُنعَتْ غُلبُ
- تكَرّهَ طَعمَ الموت والسّيفِ آخِذٌ
- مُخَنَّقَ لَيثِ الحَرْبِ حاصَلهُ كَلبُ
- وَلوْ كانَ حْرّ النْفسِ، والعيشُ مُدبرٌ،
- لمَاتَ، وَطَعمُ المَوْتِ، في فمهِ، عَذْبُ
- وَلَوْ لَمْ يُحَاجِزْ لُؤلُؤٌ بِفِرَارِهِ،
- لَكانَ لصَدْرِ الرّمحِ في لؤلوءٍ ثَقبُ
- تَخَطّأ عَرْضَ الأرْضِ، رَاكبَ وَجهه،
- ليَمنَعَ منهُ البُعدُ ما يَبذُلُ القُرْبُ
- يحبُ البِلادَ وَهيَ شَرْقٌ لشَخصِهِ،
- ويُذْعَرُ مِنها وَهيَ منْ فَوْقهِ غَرْبُ
- إذا صار سهبا عاد ظهراً عدوه
- وكان الصديق غدوة ذلك السهب
- مَخاذيلُ لمْ يَسْتُرْ فَضَائحَ عجزهِمْ
- وفَاءٌ، وَلمْ يَنْهَضْ بغِدْرِهِم شغبُ
- أخافُ كأنّي حامِلٌ وِزْرَ بَعضِهِمْ
- منَ الذّنْبِ، أوْ أنّي لبَعضِهِم إلْبُ
- ومَا كانَ لي ذَنْبٌ، فأخشَى جَزَاءَهُ،
- وَعَفوُكَ مَرْجُوٌّ، ولوْ كانَ لي ذَنْبُ
المزيد...
العصور الأدبيه