الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> قالت الشيب بدا قلت أجل >>
قصائدالبحتري
قالت الشيب بدا قلت أجل
البحتري
- قالتِ: الشَّيْبُ بَدا، قلتُ: أجَلْ،
- سَبَقَ الوَقْتُ ضِرَاراً، وَعجِلْ
- وَمَعَ الشّيبِ، عَلَى عِلاّتِهِ،
- مُهْلَةٌ للّهْوِ حِيناً، وَالغَزَلْ
- خُيّلَتْ أنّ التّصَابي خَرَقٌ،
- بَعدَ خَمسينَ، وَمَنْ يَسمعْ يَخَلْ
- أتُرَى حُبّي لِسُعْدَى قاتِلي،
- وَإذا ما أفْرَطَ الحُبُّ قَتَلْ
- خَطَرَتْ في النّوْمِ، منها خطرَةٌ،
- خَطْرَةَ البَرْقِ بَدا ثمّ اضْمحلّ
- أيُّ زَوْرٍ لكِ، لوْ قَصْداً سَرَى،
- وَمُلِمٍ مِنْكِ، لَوْ حقّاً فَعَلْ
- يَتَرَاءَى، والكَرَى في مُقلَتي،
- فإذا فارَقَها النّوْمُ بَطَلْ
- قَمَرٌ أتْبَعْتُهُ، مِنْ كَلَفٍ،
- نَظَرَ الصَّبِّ بِهِ، حتّى أفَلْ
- أوْجَلَتْني، بَعْدَ أمنٍ، غِرّتي،
- واغترَارُ الأمنِ يَستَدعي الوَجلْ
- لمْ أُوَهَّمْ نِعْمَتي تَغْدُرُ بي
- غِدْرَةَ الظّلّ سَجا، ثمّ انتَقَلْ
- زَمَنٌ تَلْعَبُ بي أحْداثُهُ،
- لَعِبَ النَّكْبَاءِ بالرّمْحِ الخَطِلْ
- وأرَى العُدْمَ، فَلاَ تَحْفِلْ بِهِ،
- عَقْبَةً تُقْضَى، وَكَلماً يَندمِلْ
- أكبَرَتْ نَفسِي، وَكُرْهاً أكبرَتْ،
- أنْ تُلَقّى النَّيْلَ من كفّ الأشَلّ
- وَمِنَ المَعْرُوفِ مُرٌّ مَقِرٌ،
- يَلْفِظُ الطّاعِمُ مِنْهُ ما أكَلْ
- نَطلُبُ الأكثرَ في الدّنيا، وَقَدْ
- نَبْلُغُ الحَاجَةَ فيها بالأقَلّ
- وإذا الحُرُّ رأى إعْرَاضَةً
- من صَديقٍ، صَدّ عَنهُ، ورََحَلْ
- وَأقَلُّ المَكْثِ في الدّارِ، فمَنْ
- أمِنَ التّثْقيلَ بالمَكْثِ ثَقُلْ
- أخلَقَ النّاسُ الأخيرُونَ، كأنْ
- لمْ يُنَبَّوْا جِدّةَ النّاسِ الأُوَلْ
- وَلَقَدْ يَكثُرُ، مِنْ إعْوَازِهِ،
- رَجُلٌ تَرْضَاهُ مِنْ ألْفِ رَجُلْ
- كُلّما أغرَقْتُ في مَدْحِهِمُ،
- أغرَقوا في المَنعِ منهمْ، والبَخَلْ
- وَمِنَ الحَسرَةِ وَالخُسْرَانِ أنْ
- يَحبِطَ الأجرُ على طولِ العَمَلْ
- أنَا، مِنْ تَلْفيقِ ما مَزّقَهُ
- مُرْتَجُوهُمْ، في عَنَاءٍ وَشَغَلْ
- أصِلُ النَّزْرَ إلى النّزْرِ، وَقَدْ
- يَبْلُغُ الحبلُ، إذا الحبلُ وُصِلْ
- مِنْ لَفَا هَذا إلى مَخْسُوسِ ذا،
- وَمِنَ الذَّوْدِ إلى الذَّوْدِ إبِلْ
- أتَصَدّى للتّفَارِيقِ، وَلَوْ
- أُبْتُ قَوْمي لَتَصَدّتْ لي الجُمُلْ
- كَبَني مَخْلَدٍ الغُرّ الأُولى،
- رَدَّ مَعرُوفُهُمُ النّاسَ خَوَلْ
- أوْ أبي جَعْفَرٍ الطّائيّ، إذْ
- يَتَمَادَى مُعْطِياً حَتّى يُمَلّ
- وَادِعٌ يَلْعَبُ بالدّهْرِ، إذا
- جَدّ في أُكْرُومَةٍ، قلتَ: هَزَلْ
- أيِّدُ الأعْبَاءِ، لَوْ حَمّلَه
- سَائِلُو القَوْمِ ثَبيراً لحَمَلْ
- ذَلّلَ الحِلْمُ لَنَا جانِبَه،
- وإذا عَزّ كَرِيمُ القَومْ ذَلّ
- يَتَفَادَى مِنْ نَدَاهُ تَالِدٌ،
- لَوْ تَرَقّى في الثُّرَيّا مَا وَألْ
- نَحْنُ مِنْ تَقرِيظِهِ في خِطَبٍ
- ما تَقَضّى، وَثَنَاءٍ ما يُخِلّ
- إنْ صَمَتنا لمْ يَدَعْنَا جُودُهُ،
- وإذا لمْ يَحسُنِ الصّمتُ، فقُلْ
- تَنْتَهي مأثَرَةُ الدّهْرِ إلى
- جَبَلٍ، وُسِّطَ في طَيّ الجَبَلْ
- حَزَبَ الإخْوَةُ مِنْهُمْ بِعُلا،
- نَافَسَتْ نَبْهَانُ فيهِنّ ثُعَلْ
- رَابىءٌ يَرْتَقِبُ العَلْيَا، مَتَى
- أمكَنَتْه فرْصَةُ المَجدِ اهتَبَلْ
- ساحةٌ، إنْ يَعْتَمِدْها يَعترِفْ
- ناشِدُ السُّؤدَدِ فيها ما أضَلّ
- سُبُلُ الآفَاقِ تَنْحُو نَحوَها،
- باختِلافٍ من مَسافاتِ السُّبُلْ
- حَيْثُ لا تَبلَى المَعاذِيرُ، وَلا
- يَطأُ اليأسُ على عُقْبِ الأمَلْ
- وأرَى الجُودَ نَشَاطاً يَعترِي
- سادَةَ الأقْوَامِ، وَالبُخلَ كَسَلْ
المزيد...
العصور الأدبيه