الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> فيم ابتداركم الملام ولوعا >>
قصائدالبحتري
فيم ابتداركم الملام ولوعا
البحتري
- فيم ابتِدارُكُمُ المَلاَمَ وَلُوعَا،
- أبَكَيْتُ إلاّ دِمْنَةً، وَرُبُوعا
- عَذَلوا فَما عَدَلوا بقَلبي عَن هَوًى،
- وَدَعَوْا فَما وَجَدوا الشّجيّ سَمِيعا
- يا دارُ، غَيّرَهَا الزّمَانُ، وَفَرّقَتْ
- عَنْهَا الحَوَادِثُ شَملَهَا المَجْمُوعَا
- لَوْ كَانَ لي دَمْعٌ يُحَسّنُ لَوْعَتي،
- لتَركتُهُ في عَرْصَتَيْكِ خَلِيعَا
- لا تَخْطُبي دَمْعِي إليّ، فَلَمْ يَدَعْ
- في مُقْلَتَيّ جَوَى الفِرَاقِ دُمُوعَا
- وَمَرِيضَةِ اللّحَظَاتِ يُمرِضُ قَلْبَها
- ذِكْرُ المَطَامِع عفّةً، وَقُنُوعا
- تَبْدُو فيُبْدي ذُو الصّبَابَةِ سرهُ
- عمْداً، وَتترِكُ الجَليدَ جَزُوعا
- كادَتْ تُنَهْنِهُ عَبْرَتي عزَمَاتُهَا،
- لَمّا رأتْ هَوْلَ الفِراقِ فَظِيعا
- لأبي سَعيدِ الصّامِتيّ عَزَائِمٌ،
- تُبدي لَهَا نُوَبُ الزّمانِ خُضُوعَا
- مَلِكٌ، لِمَا مَلَكَتْ يَداهُ مُفَرِّقٌ،
- جُمِعَتْ أداةُ المَجْدِ فيهِ جَمِيعَا
- بَذَّ المُلُوكَ تَكَرّماً، وَتَفَضّلاً،
- وأحانَ، من نَجْمِ السّماحِ، طلُوعا
- مُتَيَقِّظُ الأحْشَاءِ، أصْبَحَ للعِدَى
- حَتْفاً يُبِيدُ، وللعُفاةِ رَبِيعَا
- سَمْحَ الخَلاَئِقِ، للعَوَاذِلِ عَاصِياً
- في المَكْرُمَاتِ، وللسّماحِ مُطِيعَا
- ضَخْمَ الدّسَائعِ، للمَكارِمِ حَافِظاً
- بنَدَى يَدَيْهِ، وللتِّلادِ مُضِيعَا
- مُتَتَابِعَ السّرَاءِ والضّرّاءِ لَمْ
- يُخْلَقْ هَيُوباً للخُطُوبِ، هَلُوعَا
- تَلْقَاهُ يَقْطُرُ سَيْفُهُ وَسِنَانُهُ
- وَبَنَانُ رَاحَتِهِ نَدًى وَنَجيعا
- مُتَنَصِّتاً لصَدَى الصّريخِ إلى الوَغَى،
- ليُجيبَ صَوْتَ الصّارِخِ المَسمُوعَا
- ولقد يبيتَ اللّيْلَ ما يَلقَى لَهُ،
- إلاّ الحُسامَ المَشْرَفيّ، ضَجِيعَا
- مُتَيَقِّظاً كالأُفْعُوَانِ نَفَى الكَرَى
- عَن ناظِرَيْهِ، فما يَذُوقُ هُجُوعَا
- لله دَرُّكَ، يا بنَ يوسُفَ، منْ فَتًى
- أعْطَى المَكَارِمَ حَقّها المَمْنُوعَا
- نَبّهْتَ منْ نَبْهَانَ مَجْداً لمْ يَزَلْ
- قِدْماً لمَحْمُودِ الفَعَالِ رَفِيعَا
- وَلَئِنْ بنيَتِ العُلا لَهُمُ لَمَا انْـ
- ـفَكُّوا أُصُولاً للعُلا، وَفُرُوعَا
- قَوْمٌ، إذا لَبِسُوا الدُّروعَ لمَوْقِفٍ
- لَبِسَتْهُمُ الأعْرَاضُ فيهِ دُرُوعَا
- لا يُطْمِعُونَ خُيُولَهُمْ في جَوْلَةٍ،
- إنْ نِيلَ كَبْشُهُمُ، فخَرّ صَرِيعَا
- لله دَرُّكَ، يَوْمَ بابِكَ، فارِساً
- بَطَلاً، لأبْوَابِ الحُتُوفِ، قَرُوعَا
- لَمّا أتَاكَ يَقُودُ جَيْشاً أرْعَناً،
- يَمْشي إلَيْهِ كَثَافَةً، وَجُمُوعَا
- وَزّعْتَهُمْ بَينَ الأسِنّةِ والظُّبَا
- حَتّى أبَدْتَ جُمُوعَهُمْ تَوْزِيعَا
- في مَعْرَكٍ ضَنْكٍ تَخَالُ بِهِ القَنَا
- بَينَ الضّلُوعِ، إذا انحَنَيْنَ، ضُلُوعَا
- ما إنْ ثَنَى فيهِ الأسِنّةَ والظُّبَا
- لِطُلَى الفَوَارِسِ سُجّداً، وَرُكُوعا
- جَلّيْتَهُ بشُعَاعِ رَأسٍ، رَدَّهُ
- لُبْسُ التّرَائِكِ للهِيَاجِ صَليعَا
- لَمّا رَأوْكَ تَبَدّدَتْ آرَاؤهُمْ،
- وَغَدَا مُصَارِعُ حَدّهِمْ مَصْرُوعَا
- فَدَعَوْتَهمْ بظُبَى السّيوفِ إلى الرّدى،
- فأتَوْكَ طُرّاً مُهْطِعِينَ، خُشُوعَا
- حتّى ظَفِرْتَ بِبَذّهمْ، فَتَرَكْتَهُ،
- للذّلّ جانِبُهُ، وَكَانَ مَنيعَا
- وَبذي الكَلاعِ قَدَحتَ من زَنْد القَنَا
- حَرْباً، بإتْلافِ الكُماةِ، وَلُوعا
- لَمّا رَمَيْتَ الرّومَ منْهُ بِضُمّرٍ،
- تُعْطي الفَوَارِسَ جَرْيَها المَرْفُوعَا
- كُنْتَ السّبيلَ إلى الرّدى، إذْ كنتَ في
- قَبْضِ النّفُوسِ، إلى الحِمَامِ، شَفيعَا
- في وَقْعَةٍ أبْقَى عَلَيْهِمْ غِبُّها
- رَخَمَ الفَيافي والنّسُورَ وُقُوعَا
- هَذا، وأيُّ مُعَانِدٍ ناهَضْتَهُ
- لَمْ تُجْرِ مِنْ أوْدَاجِهِ يَنْبُوعَا
المزيد...
العصور الأدبيه