الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> فؤاد بذكر الظاعنين موكل >>
قصائدالبحتري
فؤاد بذكر الظاعنين موكل
البحتري
- فُؤادٌ، بذِكْرِ الظّاعنينَ، مُوَكَّلُ،
- وَمَنزِلُ حَيٍّ فيهِ، للشّوْقِ، مَنزِلُ
- أرَاحِلَةٌ لَيلى، وَفي الصّدرِ حاجَةٌ،
- أقَامَ بِهَا وَجْدٌ، فَمَا يَتَرَحّلُ
- سَلامٌ عَلى الحَيّ الذينَ تَحَمّلُوا،
- وَعَجلانُ من غُرّ السّحابِ مجَلجَلُ
- فكمْ كَلَفٍ في إثرِهمْ ليسَ يَنقضِي،
- وَكمْ خِلّةٍ من بَعدهم ليسَ توصَلُ
- وَقَفْنَا على دارِ البَخيلَةِ، فانبَرَتْ
- بَوَادِرُ قد كانتْ بها العَينُ تَبخُلُ
- على دارِسِ الآياتِ عَافٍ، تَعاقَبَتْ
- علَيهِ صَباً ما تَستَفيقُ، وَشَمْألُ
- فلَمْ يَدْرِ رَسْمُ الدّارِ كَيفَ يُجيبُنَا،
- وَلا نحنُ من فرْطِ الجَوَى كيفَ نَسألُ
- أجِدَّكَ هَلْ تَنسَى العُهودَ، فينطوِي
- بها الدّهرُ، أوْ يُسْلَى الحَبيبُ، فيَذهَلُ
- أرَى حُبّ لَيلى لا يَبيدُ، فيَنقَضي،
- وَلا تَلْتَوي أسْبَابُهُ، فَتُحَلَّلُ
- مُعَنًّى بهِ الصْبّ الشّجيُّ، المُعَذَّلُ
- عَلَيْهِ، وَذو الحُبّ المُعنّى المُعَذَّلُ
- سَتَأخُذُ أيدي العِيسِ منهُ، إذا انتحى
- بأشخاصِها جُنحٌ منَ اللّيلِ، ألْيَلُ
- إلى مَعْقِلٍ للمُلْكِ، لوْلا اعتِزَامُهُ
- وَمِنْعَتُهُ، ما كانَ للمُلْكِ مَعقِلُ
- وَمَكرُمَةِ الدّنْيا، التي لَيسَ دونَها
- مُرَادٌ، وَلا عَنْ ظِلّهَا مُتَحَوَّلُ
- إلى مُصْعَبيّ العَزْمِ يسْطُو فيَغتَذي،
- وَمُتّسِعِ المَعرُوفِ يُعطي فيُجزِلُ
- فتًى لا نَداهُ حَجْرَهُ، حينَ يَبتَدي،
- وَلا مَالُهُ مِلْكٌ لَهُ حِينَ يُسألُ
- إِذا نَحْنُ أَمَّلْنَاهُ لَمْ يَرَ حَظَّهُ
- زَكَا ، أَو يَرَى جَدْواهُ حَيْثُ يُؤَمَّلُ
- لَهُ قَدَمٌ في المَجدِ تَعْلَمُ أنّهُ
- بِسُؤدَدِها يُرْبي مِرَاراً، وَيفَضُلُ
- إذا جادَ أغضَى العَاذِلُونَ، وَكَفَّهمْ
- قَديمُ مَسَاعيهِ الذي يَتَقَيّلُ
- ومَنْ ذا يَلُومُ البَحرَ إنْ باتَ زَاخراً
- يَفيضُ، وَصَوبَ المُزْنِ إنْ باتَ يهطِلُ
- وَلَمْ أرَ مَجْداً كالأمِيرِ مُحَمّدٍ،
- إذا مَا غَدا يَنْهَلُّ، أوْ يَتَهَلّلُ
- حَياةُ النّفوسِ المُزْهَقاتِ، ومَأمِنٌ
- يَثُوبُ إليهِ الخائِفونَ، ومَوْئلُ
- أُعِيرَتْ بهِ بَغدَادُ صَوْبَ غَمامَةٍ،
- تُعِلُّ البِلادَ مِنْ نَداها، وَتُنهَلُ
- وَقد فقَدَتْ أُنسَ الخِلافةِ، وَانتحى
- على أهلِها خَطبٌ، من الدّهرِ، مُعضِلُ
- وَلِيتَهُمْ، وَالأُفْقُ أغْبَرُ عِنْدَهم،
- وَجَوُّهُمُ، عَن صَيّبِ المُزْنِ، مُقفَلُ
- فجَاءَ بكَ الصّنعُ الذي كانَ ذاهِباً،
- وَجيدَ بكَ الصّقعُ الذي كانَ يُمحِلُ
- وَما كنت إلا رحمة اللهِ ساقها
- إليهم ودنُياهم أتتْ وهي تُقبلُ
- ويَوْمُهُمُ السّعدُ الذي ضَمّ أمرَهُمْ
- إليكَ، هوَ اليَوْمُ الأغَرُّ المُحَجَّلُ
- تَلِينُ، وَتَقْسُو شِدّةً وَتَألّقاً،
- وَتُمْلي، فتَستأني، وتَقضِي، فتَعدِلُ
- ومَا زِلْتَ مَدْلولاً على كلّ خِطّةٍ
- مِنَ المَجدِ، ما تَرْقَى وَلا تَتَوَقَّلُ
- تَداركني الإحسانُ مِنكَ، وَمَسّني
- على حاجةٍ، ذاكَ الجَدا، وَالتّطَوّلُ
- ودَافَعْتَ عنّي، حينَ لا الفَتحُ يُبتَغى
- لِدفْعِ الذي أخشَى ولا المتوكلُ
- لَعَمرِي لَقَدْ وَحَّى ابْنُ مخْلَدَ حاجَتي
- وأَسْعَفَني عَفْواً بما كُنْتُ أَسْأَلُ
- أطَاعَكَ في رِفْدِي رِضاً وتَقَبُّلاً،
- لِمَا تَرْتَضِي مِنِّي وما تَتَقَبَّلُ
- هُو الْمَرْءُ يأَتي ما أَتيْتَ تَحرِّياً
- ويُعْطِي الَّذي تُعْطِي اتِّباعاً ويَبْذُلُ
- يُبَادِرُ مَا تَهْواهُ حتّى يَجيئَهُ
- تَوَخٍّ، فيَمضِي أوْ يقُولُ فيَفعَلُ
- فَلا تكذِبَنْ عَنْ فَضْلِهِ وَوَفائِهِ،
- فَمن هُوَ في هَذينِ إلاّ السّمَوْألُ
المزيد...
العصور الأدبيه